للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يتطلّب بحثاً موضوعياً خاصاً حول كل إسناد من أسانيد أحاديث الكتاب -وما أكثرها- حتى يغلب على ظن مؤلفه أنه ثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -ولو بمرتبة الحسن- ولا يحصل ذلك في النفس إلا إذا ثبت لديه سلامته من أي علة قادحة فيه. وليس يخفى على كل من مارس عملياً فن التخريج، مقروناً بالتصحيح والتضعيف، وقضى في ذلك شطراً طويلاً من عمره -وليس في مجرد العزو وتسويد الصفحات به- أن ذلك يتطلّب جهداً كبيراً، ووقتاً كثيراً، الأمر الذي قد لا يتوفر لمن أراد مثل هذا التحقيق، وقد يتوفر ذلك للبعض، ولكن يعوزه الهمة والنشاط، والدأب على البحث في الأمّات والأصول المطبوعة والمخطوطة والصبر عليه، وقد يجد بعضهم كل ذلك، ولكن ليس لديه تلك المصادر الكثيرة التي لا بد منها لكل من تحققت تلك المواصفات التي ذكرنا، مع المعرفة التامة بطرق التصحيح والتضعيف، القائمة على العلم بمصطلح الحديث والجرح والتعديل، وأقوال الأئمة فيهما، ومعرفة ما اتفقوا عليه، وما اختلفوا فيه، مع القدرة على تمييز الراجح من المرجوح فيه، حتى لا يكون إمّعة فتأخذ به الأهواء يميناً ويساراً. وهذا شيء عزيز قلّما يجتمع ذلك كله في شخص، لا سيّما في هذه العصور المتأخرة.

وقد رأيت الحافظ المنذري رحمه الله، قد أشار إلى شيء مما ذكرته من المواصفات، بحيث يمكن اعتبار كلامه في ذلك جواباً صالحاً عن السؤال السابق، فقال في آخر كتابه: "الترغيب" قُبيل "باب ذكر الرواة المختلَف فيهم"؛ قال ما نصّه:

"ونستغفر الله سبحانه مما زلّ به اللسان، أو داخله ذهول، أو غلب عليه نسيان، فإن كل مصنف مع التَّؤدة والتأتّي، وإمعان النظر وطول الفكر قلّ أن

<<  <  ج: ص:  >  >>