فأقول: ومما لا يخفى على أحد له بصرٌ وفهَم في هذا العلم، أن سبب تضعيفه لهذا النوع من الإسناد؛ إنما هو لعدم معرفته حال راويه الذي لم يرَ توثيقاً فيه. وإذا كان الأمر كذلك، فإن مما لا شك فيه أن هذا السبب ينطبق على كثير من الأنواع التي أدخلها في اصطلاحه الأول، وبياناً لذلك أقول:
أ- المبهم، فإنه يصدُق عليه معنى قوله المتقدم:"لم أر فيه توثيقاً" بداهة، لأنه لا سبيل إلى معرفة عينه، بلْه حاله، فهو في حكم المسمّى وهو مجهول العين، كما هو ظاهر لكل ذي عين، بل إن من لم يُوَثّق قد يكون خيراً من (المبهم)، لأن الأول قد يكون روى عنه أكثر من واحد فيكون مجهول الحال، بخلاف المبهم لما سبق. ألا ترى إلى قول المؤلف في حديث في "الصحيح"(٤١٨) فيه رجل مبهم: "رواه الطبراني، وسمّى الرجل المبهم جابراً، ولا يحضرني حاله".
فإذا لم يعرفه مع أنه عرف اسمه، فبالأولى أن لا يعرفه حين لا يسمَّى، فكيف جاز له -عفا الله عنا وعنه- المغايرة بين المبهم، ومن لم يَرَ فيه توثيقاً والعلة واحدة وهي الجهالة، ولو أنه عكس لكان أقرب إلى الصواب، وبناء على هذا الاصطلاح حشر في كتابه عشرات، بل مئات الأحاديث التي في أسانيدها من لم يُسمَّ، مصدِّراً إياها بما يخْرجها عن كونها من الأحاديث الضعيفة، كالأحاديث التالية أرقامها في "الضعيف"(٧١ و ٧٧ و ١١٠ و ٤٨٦ و ٥٢٥ و ٦٥٩).
ب- من قال في راويه:"لا أعرفه بجرح ولا عدالة"، وذلك لأن لازمه أنه لم ير فيه توثيقاً، فهو مجهول أيضاً عنده، فالتفريق بينهما خطأ واضح، ومن أمثلته الحديث الآتي في "الصحيح"(رقم ١٥٥)، والأحاديث الآتية في