للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودرَّس للمحدثين بالقُبَّة البَيبَرسية برغبةِ الشَّيخ قاسم الحنفي له عنها، وعمل حينئذٍ إجلاسًا بحضرة القاضي علم الدين البُلقيني وصهره ولي الدين وغيرهما، ولم أكن إذ ذاك بمصر، وشرع في شرح "بلوغ المرام" وكأنَّه اعتمد على القطعة التي عملها جدُّه مِنْ "شرح المحرر" لابن عبد الهادي، وكذا استنزل أولادَ الشَّيخ بدر الدين ابن الأمانة عَنْ تدريس الحديث بالقبَّة المنْصورية بنحو ثلاثمائة دينار، وافتتح الدَّرس بالكلام على حديث قبض العلم، وذلك في سنة أربع وسبعين، وعند انتهاء غالبِ المعتبرين مِنْ شُيوخ الرواية، قام فطلب ودار على المتأخِّرين.

وأكثرَ مِنْ كتابة الأجزاء وغيرها، وليس خطه في ذلك بالطائل، لا سندًا ولا متنًا، وفارقتُه وهو يكتبُ في "الخادم" للزركشي، ثم بعد أن كتب منه نحوَ الرُّبع باعَهُ للشَّيخ شمس الدين بن قاسم، واستنسخه (١) في باقيه.

وحجَّ في حياة جدَّيْهِ سنةَ ثمان وأربعين وثمان مائة، وصُحبَتُه الطَّواشي سُنبل فتى جدَّتِه وغيره، وكتب معه جدُّه إلى القاضي أبي اليمن ما نصُّه: إنَّ مُحضرها الولد العزيز يوسف سبط العبد تهيَّأ لقضاء فريضة الحج، وما كان العبدُ يتمنَّى إلَّا أن يكون صُحبتَه، ولكن الأمُورَ تجري بقدرٍ، وليس للعبدِ حيلَةٌ في دفع المقدور، ولا غِنَى له عن ملاحظتكم ومؤانستكم، فإنَّه صغيرُ السِّنِّ، وما سافر قطُّ ولا تغرَّب عَنْ أهله ليلة واحدةً، ولكن أوقعَ اللَّه تعالى في قلبه هُجران أرضه والميلَ الكلِّيَّ إلى قضاءِ فرضِهِ، فنسأل اللَّه تعالى أنْ يبلغَه منيَتَه، ويعيدَه إلى وطنِه بعد قضاء وطره، إنَّه سميعٌ مجيب.

ورجع فأخبر جده بإكرام المذكور له، فراسله صُحْبَةَ ناصرِ الدِّين ابن المهندس موقع الحكم في جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين وثمان مائة، وصدرُ الرِّسالة: بوصف المكتوب إليه بالإمام الفاضل الكامل قاضي المسلمين، خطيب الخُطباء: أبي اليمن. إلى أن قال: وأن محضرها الولد ناصر الدين موقع الحكم العزيز، عزم على المجاورة بالحرم الشَّريف، وتوجَّه


(١) في (أ): "فاستحسنه"، تحريف.