للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استفدت مه معرفة الفنِّ بكماله، ورجعتُ فأقرأتها السائل، ولم أحتج لقراءة باقيها. هذا معنى ما حكاه. فقد كتبته من حفظي.

وكثر انتفاعه به وبكتبه في الأدبيات، ولازمه قديمًا بضع سنين، [بل كان البدرُ يذكر أنه هو المشيرُ عليه في الاشتغال بالحديث] (١)، ثم احتاج البشتكيُّ بعد ذلك للقراءة على صاحب الترجمة في الحديث كما سيأتي.

وجَدَّ رضي اللَّه عنه بِهمَّة وافرةٍ وفكرةٍ (٢) سليمة باهرة، في طلب العلوم، منقولها ومعقولها، حتى بلغ الغاية القُصوى، وصار كلامُه مقبولًا عند أرباب سائرِ الطَّوائف، لا يعْدُون مقالته لشدَّة ذكائه وقوَّة باعه، حتى كان حقيقًا بقول القائل:

وكان مِنَ العلوم بحيث يُقضى ... له في كلِّ علمٍ بالجميع

واجتمع له من الشيوخ الذين يُشار إليهم، ويُعوَّلُ في حلِّ المشكلات عليهم ما لم يجتمع لأحدٍ مِنْ أهل عصره، لأنَّ كل واحدٍ منهم كان متبحِّرًا ورأسًا في فنه الذي اشتهر به، لا يلحق فيه، فالبلقيني في سَعَةِ الحفظ وكثرة الاطلاع، وابن الملقِّن في كثرة التصانيف، والعراقي في معرفة علم الحديث ومتعلقاته، والهيثمي في حفظ المتون واستحضارها، والمجد الشيرازي في حفظ اللُّغة واطِّلاعه عليها، والغُمَاري في معرفة العربية ومتعلقاتها، وكذا المحب ابن هشام، كان حسنَ التَّصرُّف فيها لوفور ذكائه، وكان الغماري فائقًا في حفظها، والأبناسي في حُسن تعليمه وجَوْدَةِ تفهيمه، والعز ابن جماعة في تفنُّنه في علوم كثيرةٍ، بحيث إنه كان يقول: أنا أُقرِىءُ في خمسة عشر علمًا لا يعرف علماءُ عصري أسماءها، والتَّنوخيُّ في معرفته القراءات وعلوِّ سنده فيها. وهم -مع ذلك- في غاية التَّبجيل لصاحب الترجمة، والتكريم والتحرُّز عن مخاطبته بغير تعظيم، بل ربما راجعوه للتفهيم.


(١) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).
(٢) "وفكرة" لم ترد في (أ).