للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمد بن أحمد الفُرَّياني المغربي من الأسانيد المركَّبة المختلقة في تلك النواحي، ورجع كثيرٌ عن الرواية عنه.

والمذكور -كما قال شيخنا في حوادث سنة ثمان وأربعين من "أنباء الغمر" (١) فيه- أطنب الجَوَلَانَ في قرى الرِّيف الأدنى، يعمل المواعيد، ويذكِّرُ النَّاسَ، وكان يستحضر مِنَ التاريخ والأخبار الماضية شيئًا كثيرًا، ولكن كان يخلِطُ في غالبها، ويدَّعي معرفة الحديث النبويِّ، ورجال الحديث، ويبالغ في ذلك عند مَنْ يستجهله، ويقصر في المذاكرة بذلك عند من يعرف أنه مِنْ أهل الفن، وراج أمرُه في ذلك دهرًا طويلًا. وذكر أنه وليَ قضاء نابلس، وأنَّه توجَّه إلى الجبال المقدسة، وأورد شيئًا مِنْ منكر أفاعيله.

وقال قبل ذلك في حوادث سنة سبع وثلاثين (٢). إنه تحوَّل شافعيًّا لما وَلِيَ قضاء نابلس. قال: وهو كثير الاستحضار للتواريخ، وكان يتعانى عمل المواعيد بقُرى مصر وبدمياط وبلاد السواحل، وصَحِبَ الناس، وهو حسنُ العشرة، نَزِهٌ عفيف. وقد حدَّث بحلب عن أبي الحسن البطرني، وما أظنُّه سمع منه. فإنه ذكر لنا أن مولده سنة ثمانين ببلده، وكان البطرني بتونس، ومات بعد سنة تسعين. ورأيت له عند أصحابنا بحلب إسنادًا "للمسلسل بالأولية" مختلقًا إلى السِّلَفي، وآخرَ أشد اختلاقًا منه إلى أبي نصر الوائلي، وسُئلتُ عنهما، فبيَّنتُ لهم فسادهما. ثم وقفت مع جمال الدين ابن السابق الحموي على كراسة كتبها عنه بأسانيده في الكتب الستة أكثرها مختلق، وجلُّها مركب، وأوقفني الشيخ تقي الدين المقريزي له على تراجم كتبها له بخطه، كلُّها مختلقة إلا الشيء اليسير، غفر اللَّه لنا وله.

قلت: وقد كان التقي المقريزي كثير الاعتماد على هذا فيما يخبره به مما يتعلق بالتاريخ، من غير إفصاح (٣) بالنَّقل عنه على عادته، واللَّه الموفق.


(١) ٩/ ٢٢٦ - ٢٢٨.
(٢) إنباء الغمر ٨/ ٣٠٤.
(٣) في (أ): "إيضاح".