يُشرح "البخاري" مثله. وتلقَّاه النَّاس بالقَبُول، وسارعوا إلى كتابته وقراءته عليه، وطلبَه ملوك الآفاق إلى بلادهم، ويوم فراغه عمل ضيافةً للناس بالقاهرة، وكان يومًا مشهودًا، وبَعُدَ صيتُه، وأملى عدَّة أمالي، وناظر، وأفتى، ودرَّس. وانعقد الإجماعُ على فضله، وانتفع به العلماء من مشايخه في فنِّ الحديث، وسألته، وسمعتُ والدي يقول عند نظره "لمبهمات البخاري" للشيخ جلال الدين البلقيني: هذه الفوائد التي فيه، الظاهر أنَّها مِنْ كلام الشيخ شهاب الدين ابن حجر. فلما اجتمع والدي بالشيخ شهاب الدين المشار إليه، [قال له: إن الشيخ جلال الدِّين](١) يفسِّرُ مبهمات ويعزوها إلى كُتُبٍ ما أظنُّها عنده، وأنا أقول: إن هذا منك، فقال: نعم.
إلى أن قال ما معناه: رأيته يومًا بحضرة والدي قال يحيى بن أكتم -يعني بالمثنَّاة- فقال له والدي: هو بالمثلثة، واستند إلى ضبط النَّووي له كذلك في "تهذيب الأسماء واللغات"، وكلٌّ منهما صحيح. فقد حكاهما المؤيَّدُ صاحب حماة في ترجمته، قال: وهو الرَّجلُ العظيمُ المبْطِنُ والشَّبعان أيضًا. وسمعته ذكر النَّجم المعروف بالزُّهرة مسكَّن الهاء، فقال له والدي: هو بفتحها، وهو الذي في "التهذيب" أيضًا. بل قال: لا، بإسكانها، وكذا ضبطه في "الجمهرة" بفتح الهاء. وكان يسمع عليه بالمدرسة الشَّرفية وهو يطالع، فيقول للقارىء: سقط لك رجل تارة أو رجلان على قدر ما يتَّفِق، وهما فلان وفلان، أو فلان، ونطلبُ الكتب، فيكون كما قال. وما أحقَّه يقول القائل:
عَقِمَ النساء فلا يَلدن شبيهَهُ ... إنَّ الزَّمانَ بمثله لَعقيمُ
وخرجنا والقاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية ومن شاء اللَّه معه إلى جبرين، لنسمع عليهما "الأربعين" لابن المجبر، فأخذ الجزء بيده، واستدعى بالدَّواة والقلم، وخرَّج أحاديثها مِنْ مسموعاته مِنْ حفظه، بأعلى مِنْ طريق "الأربعين".