إلى أن قال: وأخبرني العلاءُ ابن خطيب الناصرية، قال: أخبرنا الشيخ ولي الدين العراقي أنَّ أوَّلَ اشتغاله بالحديث في سنة ثلاث وتسعين. ورأيت بخطي: بلغت مصنَّفاتُه إلى مائتي مصنف. والذي أعرف منها "فتح الباري"، لم يُنسج على منواله، ولم تسمح قريحة بمثاله، و"تغليق التعليق" لم يُسبق إليه، ولم يعرِّجُ أحدٌ قبلَه عليه.
إلى أن قال: وبالجملة، ليس له مؤلَّفٌ إلا وهو فَردٌ في بابه، ويسمي مؤلفاته بألطف الأسماء، وإن اختصر كتابًا، فقد أتى فيه بزوائدَ يُحتاج إليها. وكتبَ الخطَّ المنسوبَ في أوَّلِ أمره. وكان حسنَ الشِّكالة، لطيفًا حمولًا، كثير الصَّدقات، متحريًا.
ولما كان بحلب صحبة السُّلطان، كان له راتبُ لحم يُؤتى به إليه في كلِّ يوم مِنَ السلطان. فكان لا يأكلُه، ويشتري له لحمًا. وعلي وجهه نور السنة، وبلغني عن العلاء البخاري أنه قال: على وجهه نور السنة.
وأخبرني أنه رأى الشيخ شهاب الدين الظاهري -يعني ابن البرهان- في النَّوم بعد موته قال: فقلت له: أنت ميت (١)؟ قال: نعم. فقلت: ما فعلَ اللَّه بك؟ فتغير تغيرًا شديدًا، حتى ظننتُ أنَّه غاب، ثم أفاق، فقال: نحن الآن بخير.
قلت: وساق باقي المنام الذي سمعتُ شيخنا يحكيه، وأورده كذلك في ترجمة ابن البرهان من "معجمه"، لكني حذفته عمدًا.
قال: وأما لطائفه وملاطفته للطلبة والإحسان إليهم، فلا تكاد تُوصف. وقد كنت أسمع به وبأوصافه، فلما شاهدته رأيته فوق ذلك.
كانت مُساءلةُ الرُّكبان تُخبرني ... عن أحمد بن عليِّ أحسن الخبرِ
لمَّا التقينا فلا واللَّه ما سَمِعَتْ ... أُذْنِي بأحسنَ ممَّا قد رأى بَصَرِي