للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فتعجبتُّ مِنْ اتفاف حضوري، واستشهاده بما هو من نظمي. وهو ومَنْ حضر لا يعلمون بي.

ويقُرب مِنْ هذه الاتفاقية: أنَّ الطبراني والجِعابي تذاكرا غرائب أحاديثهما، وكان الطبرانيُّ يغلبه بكثرة حفظه، والآخر يَغْلبِه بفطنته، حتى ارتفعت أصواتهما، فقال الجِعابي: عندي حديثٌ ليس في الدُّنيا إلا عندي. فقال له الطبراني: هات. فقال: حدثنا أبو خليفة، حدثنا سليمانُ بنُ أيوبَ، وساق حديثًا. فقال له الطبراني: أنا سليمانُ بن أيوب، ومِنِّي سمعه أبو خليفة، فاسْمَعْه مني عاليًا. فخجل الجِعَابي.

قال ابن العميد -حاكيها- عن مشاهدته: ما كنتُ أظنُّ أنَّ في الدنيا كحلاوة الوزارة والرئاسة التي أنا فيها، حتى شاهدتُ ذلك، فوددت أنَّ الوزارة لم تكن، وكنت أنا الطبراني، وفرحت كفرحه. انتهى.

ويحكى أيضًا أن الشيخ أبا الفتح أحمد بن أبي الوفاء بن الصائغ الحنبلي سافر في الطلب إلى خراسان، وغاب مدَّة، ثمَّ رجع إلى بلده ببغداد، وقصد الدَّرب الذي كان يعهد أهله فيه. فجلس في مسجد هناك، وسأل عن أهله، فأخبروه أنَّه لم يبق في ذلك الدرب أحد. واتَّفقَ أنه تكلَّم مع قاضي الشَّارع في مسألة، واختلفا فيها. فلمَّا رأى خصمُه على نفسه الغلبةَ، وقهره المذكور بالحُجَّة، قال: واللَّه لو أنَّكَ أبو الفتح ابن الصَّائغ، ما سلّمتُ إليك! فقال: يا أخي، أنا أبو الفتح ابن الصَّائغ، فقام إليه واحترمه.

وفي معنى البيتين الأولين، قولُ الشَّمس أبي عبد اللَّه محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الموصلي:

ما زلت أسمَعُ عن (١) إحسانكم خَبَرًا ... الفضلُ يُسنِدُه عنكم ويرفَعُهُ

حتى التقينا فشاهدت الذي سَمِعَتْ ... أُذْني وأضعافَ ما قد كنتُ أسمعُهُ


(١) في (ط): "من".