وأما إشعار كلام الإسماعيلي بأنَّ البخاريَّ إنما خرَّج هذا الحديث، وأعرض عن حديث بسرة، لأن الحَرسيَّ في حديث بُسرة لم يُسمَّ والبواب في حديث ابن عباس قد سُمِّيَ، فليس بصواب. وكذا تعليلُه الخَبَر بأنَّ رافعًا غيرُ معروف، لما قدَّمناه مِنْ سياق محمد بن عبد الملك بن جُريج، الذي أخرج الإسماعيليُّ إسناده فقط، فإنَّ ظاهره أنه مِنْ رواية حُميد بن عبد الرحمن، عن ابن عباس، إذ لا ذِكْر لرافعٍ فيه أصلًا، واللَّه أعلم.
وأما ما وقع في "الكاشف" مِنْ ترجمة رافع، فتلك آفةُ الإجحاف في الاختصار، فإنَّ نصَّ المزِّيِّ في "التهذيب": رافع المدني، بواب مروان بن الحكم، أرسله مروانُ إلى ابن عباس يسأله عن قول اللَّه تعالى:{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا}[آل عمران: ١٨٨]. حكى ذلك عنه حُميد بن عبد الرحمن بن عوف، وعلقمةُ بن وقَّاص، وكأنَّهما سمعا منه جوابَ ابنِ عباس، روي له البخاري والنَّسائي. انتهى.
وعليه فيه مآخذ:
الأول: أنَّ هذا البواب لم يذكرهُ أحدٌ في رجال الصحيحين، لا الكَلَاباذِي، ولا ابن مَنْجُويَة، ولا ابن طاهر، ولا عبد الغني، ولا غيرهم. ولم أرَ أحدًا مِمَّن صنَّف في أسماء الرجال مُطلقًا أفرده بترجمة، لا البخاري، ولا ابن أبي خيثمة، ولا ابنُ سعد، ولا ابنُ حِبَّان، ولا ابن عَدِيٍّ، ولا غيرهم. نعم أورده ابن أبي حاتم مختصرًا جدًا، فقال: رافع المدني بواب مروان روى عن. . . روى عنه. . . . سمعت أبي يقولُ ذلك. هكذا رأيتُه في عدة نسخ من كتاب "الجرح والتعديل"، منها نسخة قديمة جدًا، قُرِئت على أصحاب المصنف قبل الأربعمائة، فلم يذكر شيخه، ولا الرَّاوي عنه، مع أنَّ هذا الحديث الذي جاء ذِكرُه فيه مشهور، قد أخرجه ابنُ أبي حاتم في "تفسيره". فلو كان هو المقصود بالرِّواية فيه، لما خفِيَ عليه حالُ شيخِه والراوي عنه. وكأنَّه لما رأى اسمه في هذا الحديث، احتمل عنده أن يكونَ له روايةٌ غيرُ هذا، فسأل أباه عنه، فلم يستحضر، فكتبه احتياطًا، وبيَّض له، فكأنه لم يذكره.