وظائفه كلِّها، وبذل أكثر ذلك لأهل الدولة، حتى ولَّوه قضاء الشام، وقاسى أهوالًا، [وصرف بأحد تلامذة صاحب الترجمة القاضي قطب الدين الخيضري، وقد غُبِنا](١). نسألُ اللَّه السَّلامة.
والذي عندي أن صاحب الترجمة كان يتأول بأن يبر بالزائد -إن كان- طلبة العلم، لأن الكثير من الصوفية من غيرهم، ولهذا كان يستنزل بعضهم ممَّن لا طلب عنده ولمن يكون طالبًا، ويزن عنه مِنْ ماله، ويمكن أن يكون وزنُه ذلك مِنْ فائض الوقف.
وأيضًا فكان اشتغالُه بالعلم الذي تعيّن عليه القيام به يمنعه عن تولِّي هذا ونحوه بنفسه، فلهذا دخل عليه الدَّخيل، والأعمال بالنِّيات.
وبعد عزل شيخنا منَ البيبرسية، حوَّل مجلس إملائه إلى الكاملية، وأمر بتبييضها، وقرأ الشيخُ حسين الفتحي، أحد تلامذته، من تلقاء نفسه أول يوم مِنْ إملائه بها سورة الصَّف بصوت شجيٍّ، مع كونه بارعًا لي القراءات، فبكى النَّاسُ، وكانت ساعةً مهولةً، وتأثر جماعة القاياتي من ذلك، وراموا إيقاع تشويش بالقارىء، فما ظفَرُوا بمقصودهم.
وفي ذاك اليوم أيضًا أهدى إمامُها العلامة كمال الدين له قُمقمًا فيه ماءُ زمزم، واتَّفق دخول القاياتي بعد ذلك إلى الكاملية في جنازة الشيخ شمس الدين الحجازي، وما تيسَّر للكمال إهداءُ شيءٍ إليه، فيقال إنه تأثَّر مِنْ فلك، خصوصًا وقد حكى له الكمال أنَّه أهدى لصاحب الترجمة ماء زمزم، وقال القاياتي: هديةٌ عظيمة، أو كما قال.
ولما توفِّي القاياتي، استقرَّ ولدُه الصغير أحمد في المشيخة، والأمير الدوادار دولات باي المؤيدي في النَّظر. ولم يزل كل واحد منهما يباشر وظيفته حتَّى أكيد شيخُنا إلى الخانقاه على جاري عادته في أوائل ربيع الثاني في سنة اثنتين وخمسين.