للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يظنَّ بشيخنا ذلك، لا سيما وقد صرّح بما يُقبل مِنْ مثله ويُعذَرُ به، والأعمالُ بالنيات. هذا مع كون القاياتي -رحمه اللَّه- كان كثيرَ التحمُّل وعدم إظهارِ ما يتَّفق ممَّا يشبه هذا.

ولقد حكى لي بعضُ مَنْ أثِقُ به أنَّه عُقِد مجلسٌ بالمؤيدية بين يدي شيخنا وبقيَّة القضاة، وحضر كاتبُ السِّرِّ البدري بن مزهر والدوادار أزبك وجماعة، لإخراج مَنِ استقرَّ فيها بنزولٍ، لكونه خلافَ شرط الواقف. وحضر مِنْ أعيان الجماعة بها القاياتي والأبناسي والشهاب بن هشام، فجلسوا بين يدي شيخنا، وشرع شيخُنا في الكلام، فبادره الثلاثة، فاغتاظ عليهم، وقال: من أدبكم لم لا تسمعون كلامي إلى آخره؟ فإن وجدتموه وافيًا بالغرضِ فذاك، وإلَّا فتمِّمُوه، فسكتوا عن آخرهم.

قال الحاكي: واتفق أنني اجتمعت بابن هشام، فرأيته متألِّمًا بسبب مخاطبة شيخنا لهم بذلك، وذكر ما لا أحبُّ إثباته. قال: ثم لقيتُ الأبناسي، فأبلغته المقالة المشار إليها فأنكرها، وقال: لستُ أقطع ما بيني وبينه، وأمتنع عن مصالحَ وشفاعاتٍ تُلتَمَسُ منِّي عنده لأجل كلمة. مع أن الأدب فيما رسم به، بل هو أستاذُنا وشيخُنا.

قال: ولقيتُ القاياتي، فذكرتُ له مقالة كلٍّ منهما، فلم يُبْدِ كلمةً، ولا خاض في شيءٍ مِنَ الطريقين، رحمهم اللَّه أجمعين].

ولم يلبث القاياتي إلا يسيرًا، وفَجَأَهُ الموت، فأصابته (١) يوم السبت تاسع عشر (٢) المحرم سنة خمسين حمَّى صفراوية، ولم يكن قبل ذلك يتداوى، فحمله أولاده في هذه المرضة على التداوي والحُقنة، فخبطوا في أمره، فحطَّت قوَّتُه، ولم يزل مرضه يتزايد حتى مات بُكرة يوم الإثنين ثامن عشر (٣) المحرم المذكور، فأُعيد صاحب الترجمة بعد سبعة أيام في يوم


(١) "فأصابته" ساقطة من (أ).
(٢) في (أ): سهر.
(٣) في (ب): "خامس عشر" وفي (أ): "ثامن عشر". وما هنا موافق لما في إنباء الغمر ٩/ ٢٤٧، وذيل رفع الإصر ص ٢٨٧.