للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صاروا لا يؤذنون إلا بعد المغرب بدرجة، لتمكين (١) الوقت -زعموا-, فأخَّروا الفِطرَ وعجَّلوا السَّحور، فخالفوا السُّنَّة، فلذلك قلَّ عنهمُ الخيرُ، وكثُر فيهمُ الشَّرُّ، واللَّه المستعان.

ومنه أنه قدِمَ العلامة علاء الدين البخاري، والتمس مِنَ السلطان إبطالَ إدارة المحمل، حسمًا لمادة الفساد التي جرت العادة بوقوعه عند إدارته ليلًا ونهارًا، فأمر السُّلطانُ القضاة وكاتب السِّرِّ بالتوجُّه إلى الشيخ، والتكلم معه في المسألة ففعلوا، فكان مِنْ كلام صاحب التَّرجمة -وهو الشَّافعي-: ينبغي النظرُ في السبب في هذه الإدارة، فيعمل بما فيه المصلحة منها، ويُزال ما فيه المفسدة، وذلك أن الأصل فيه إعلام أهل الآفاق أن الطريق مِنْ مصر إلى الحجاز آمنة، وأن من شاء أن يَحُجَّ، فلا يتأخر خشية خوف الطَّريق، وذلك لما كان حدث قبل ذلك مِنَ انقطاعِ الطَّريق إلى مكة مِنْ جهة مصر، كما هي الآن منقطعة غالبًا مِنْ العراق، فالإدارة لعلَّها لا بأس بها لهذا المعنى، وما يترتَّبُ عليها مِنَ المفاسد يمكن إزالتُه بأن يبطل الأمر بزينة الحوانيت، فإنَّها السَّببُ في جلوس الناس فيها، وكثرة ما يوقَدُ مِنَ الشموع والقناديل، ويجتمع فيها مِنْ أهل الفساد، فإذا تُرِكَ هذا، وأمر السلطان مَنْ تعاطى إدارة المحمل مِنْ غير تقدُّمِ إعلام النَّاسِ بذلك، حصل الجمعُ بين المصلحتين، وانفصل المجلسُ على ذلك.

ومنه لمَّا نودي على الفلوس أن يُباع الرطل المنَقَّى منها بثمانية عشر درهمًا، وفرح من كان عنده منها حاصلٌ، وحزِنَ مَنْ عليه منها دَيْنٌ، لما يقاسونه مِنْ نُوَّاب الحكم في إلزامهم إعطاء ذلك بالوزن الأول. قال صاحب الترجمة: وفيه بحثٌ كثير، وبيَّنتُ أنَّ ذلك لا يلزم على الإطلاق، بل لا بدَّ فيه مِنْ شروط، واقتضى الحال كتابة مراسيم للشُّهود أن لا يكتبوا وثيقةً في معاملةٍ ولا صداقًا ولا غيره إلَّا بأحد النَّقدين الذهب أو الفضة، بسبب شدة اختلال أحوال النَّاس واختلاف أحوال الفلوس التي صارت هي النَّقد عندهم في عُرْفهم، مع عزَّة الفلوس وعدمها كانوا يكتبون ذلك بالفلوس، مع


(١) في (أ): "لتمكن".