أسئلة ودسَّها إلى السلطان ليجيب عنها الشافعي، فأحضرها بعض الدويدارية، فسلَّمها للشافعي، فقرأها وقال له: يطلب الجواب، فذهب ولم يَعُدْ، فذكر الشافعى للحاضرين أن أول الورق مقسمًا بأيمان عظيمة أن أعلم أهل المجلس لا يعلم معنى قال رسول اللَّه، وكلامًا آخر فيه عجرفة ولحن، فأجمع مَنْ سمع ذلك على ذمِّه.
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيَه ... فالقوم أعداءٌ له وخصومُ
وقرأت بخطِّ صاحب الترجمة ما نصُّه: قال اللَّه تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[الضحى: ١١]. حضرت مجلس الحديث بالقلعة، واتَّفق أنه وقع لغط كثير، فلما انتهى المجلس بأذان العصر، أجبت المؤذن، ثمَّ استغفرتُ سرًّا عددًا معيّنًا خطر لي، فعند انتهاء ما أردت من العدد، قرأ القارىء على العادة العُشر ثم القصيدة، فاتَّفق أنه قرأ:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الأنفال: ٣٣]، فانشرحت بذلك، وتفاءلت منه بخير، وللَّه الحمد، ثم للَّه الحمد.
ومِنْ ذلك أنهم استعملوا الشيخ جلال الدين عبد الرحمن الوجيزي، مع أنه كان هو وأبوه من جماعة صاحب الترجمة، لكنه كان معروفَ الحال. بلغني عن صعب الترجمة -ولم أسمعه منه- أنه كان يقول: هما اثنان، عاقل يتمجنن، ومجنون يتمعقل، يشير بالأول إلى البدر بن الشريدار، وبالثاني إلى هذا، بأن قال عند شروع السُّويفي في قراءة الحديث بين يديه في القلعة بحضور رفقته القضاة والسلطان على العادة، وقوله: وبسندكم ما نصُّه، أيها القارىء حسبُك، إن أردت تخصيص الشافعي بعني صاحب الترجمة هذا (١)، فلا معنى للتخصيص، في المجلس مَنْ هو مثله في السَّند، وإن أردت التعميم فافصِحْ لنا عن مرادك، فلم يلتفت شيخنا لذلك، بل قطع كلامه بقوله للقارىء: اقرأ، مع قدرته حينئذٍ على إقامته مِنَ المجلس، وانتقامه منه، لكنه راعى قِدَمَ ملازمته له مع ما استُفيض من جنونه، غفر اللَّه لنا وله.