للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتابٌ فيه اعتقادات منكرةٌ فأحضروه، فأحرق صاحبُ التَّرجمة الكتاب الذي معه، وأراد تأديبه، فحلف أنَّه لا يعرف ما فيه، وأنَّه وجده مع شخصٍ، فظنَّ أنَّ فيه شيئًا مِنَ الرَّقائق، فأُطلق بعد أن تبرّأ مِمَّا في الكتاب المذكور، وتشهَّد والتزم أحكام الإسلام.

وكانت المجالسُ المعقودة في الوقائع ونحوها بوجوده ممتعة، بل مَنْ كان يحضر بقصد الازدراء يرجع خائبًا. فمِنْ ذلك أنَّه في سنة سبع وثلاثين حضر أعجميٌّ يقال له: شمس الدين محمد الهروي، ويقال له: ابن الحلَّاج، كهلٌ من أبناء الأربعين، وادَّعى أنه يعرف مائة وعشرين علمًا، وأظهر بأوًا عظيمًا، وشرع يسأل أسئلةً مشكلةً، وظهرت منه أمورٌ تدل على إعجاب زائدٍ، فآل أمرُه إلى أن وقعت منه أمور أُنكِرَت مِنْ جهة المعتقَدِ، فزُجر، فخذل بعد ذلك، وصار كآحاد الطَّلبة، واعتذر بعدَ ذلك بأن بعض الحاسدين لصاحب الترجمة أغراه بذلك، ظنًّا منه أنَّ ذلك ينقُصُ مِنْ قدره، فأبى اللَّه ذلك، وحاق المكر السَّيِّىءُ بأهله، وللَّه الحمد.

قال شيخنا: وفي الجملة، فالرَّجلُ فيه ذكاءٌ، وعلى ذهنه فوائد كثيرةٌ، وعنده استعدادٌ، ويعرف الطب (١)، لكن عُدَّت عليه سقطات.

فلمَّا كان في السنة التي تليها، أمر السلطان صاحب التَّرجمة إذا حضر لسماع الحديث أن يحضر صُحبتَه فلقةً وعصًا، ومن تعدّى في كلامه أو أساء الأدب أُدِّبَ، وأكَّد ذلك فما فعل.

ثم في سنة أربعين ألزموا السُّكوتَ حتى لم يتكلم سوى صاحب الترجمة، رد على القارىء مواضع مِنَ الأسانيد أسماء تبدَّلها أو تحرَّفها من سبق اللسان، لكنه ما استمرَّ.

ووقع من العلاء الرومي حطٌّ على الشيخ باكير، وآل أمره معه في مباحثة إلى أن كفَّره، فردَّ الشافعي -وهو شيخُنا- على العلاء، ووافقه الجماعة وكذا السلطان، فسكت الرومي على مضَضٍ، لكنه شرع في كتابة


(١) في (أ): "الطلب".