للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النِّصفُ والرُّبعُ بمالٍ جزيل يعمر به في الربع الباقي لجهة وقفه على الصالحية، فعمر عمارة جديدة، وصارت أجرةُ الرُّبع أزيدَ مِنْ أجرة الكل بالنسبة لما كان يفضل بعد الصَّرف في ترميمه.

وبلغه أنَّ بعض الأعيان حسَّن للأشرف برسباي أخذَ الحوانيت المجاورة للكاملية، وهي تحت نظره في جملة أوقاف البيبرسية، وكانت مُحكمة البناء، غير أنَّها شَعِثَةٌ، ففي الحال لمَّ شعثَها بالبياض، وصارت تُضيءُ، فكفُّوا عن ذلك، وقد استولى عليها الأشرف إينال بعد زمنٍ طويل.

وكان يمتنع من تنفيذ شيء من الاستبدالات بالمال، حتى امتنع من فعل ذلك للقاضي عبد الباسط وفيروز السَّاقي ونحوهما، إلا إن وُضع المال عند مَنْ يُوثَقُ به إلى أن يُشترى به البدل.

وكذا كان يمتنع مِنْ سماع الدَّعوى مِنْ كثيرٍ مِنَ المتمرِّدين على أخصامهم بأنهم لا يطالبونهم إلَّا مِنَ الشَّرع الشَّريف، ويقول: أنا لا أمنع مَنْ يتوصَّلُ إلى خلاص حقِّه ممَّن يكونُ متمردًا بالشرطة.

[وبذلك أفتى شيخُنا العزُّ عبد السلام البغدادي الحنفي، فإنَّني قرأتُ بخطه على فُتيا ما نصُّه: وحَمْلُ طالب الحقِّ غريمه المدافع المتمرِّد عن إعطاء ما وجب عليه إلى الولاة الحُماة -لا سيَّما في زماننا- جائز، ولا لَوْمَ عليه] (١).

وكان في أول الأمر شديدَ الحرص على البقية في كل وقف لفائض ولو قلَّ، ليصرف في العمارة إنِ احتيجَ إليها، ويتحرَّى في التَّقرير على الأوقاف، حتى كان -فيما بلغني عنه- يقول: إذا رتبت لشخصٍ خمسينَ درهمًا، أنظر في وقفٍ له يكون بخمسين دينارًا، أو نحو ذلك.

ومِنَ الاتفاقيات الدَّالَّة على شدَّة غضبه للَّه ولرسوله: أنهم وجدوا في زمن الأشرف برسباي شخصًا مِنْ أتباع الشيخ نسيم الدين التبريزي نزيل حلب، وشيخ الخروفية المقتول على الزَّندقة سنة عشرين وثمانمائة ومعه


(١) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).