حال نَقَلته، يعرف فرق ما بين قولهم: فلان حجة، فلان ثقة، ومقبول، ووسط، ولا بأس به، وصدوق، وصالح، وشيخ، وليِّن، وضعيف، ومتروك، وذاهب الحديث، ويُمَيِّز الروايات بتغاير العبارات، نحو: عن فلان، وإن فلانًا، ويعرف اختلاف الحكم في ذلك بين أن يكون المسمَّى صحابيًّا أو تابعيًّا، والحكم في قول الراوي: قال فلان، وعن فلان، وأن ذلك غير مقبول من المدلِّسين، دون إثبات السماع على اليقين، ويعرف اللَّفظة في الحديث تكون وهمًا وما عداها صحيحًا، ويميز الألفاظ التي أُدرجت في المتون، فصارت بعضَها لاتصالها بها، ويكون قد أمعن النَّظر في حال الرواة بمعاناة علم الحديث دون ما سواه: لأنه علم لا يَعْلَق (١) إلا بمن وقف نفسه عليه، ولم يضمَّ غيره من العلوم إليه.
ثم ساق أن الشافعي رضي اللَّه عنه مر بيوسف بن عمرو بن يزيد، وهو يذكر شيئًا من الحديث، فقال: يا يوسف، تريد أن تحفظ الحديث وتحفظ الفقه؟ هيهات.
وقد تقدم قريبًا قولُ عمر بن هارون: مَن لم يجعل عمره كلَّه في طلب الحديث، لم يكن صاحبَ حديث.
وعند البيهقي في "المناقب" من طريق الربيع: سمعت الشافعي يقول لأبي علي بن مقلاص: تريد تحفظُ الحديث وتكون فقيهًا؟ هيهات، ما أبعدك من ذلك. وقال البيهقي عَقِبَه: وإنما أراد به حفظه على رسم أهل الحديث، من حفظ الأبواب، والمذاكرة بها، وذلك علم كبير، إذا اشتغل به ربما لم يَفْرغ إلى الفقه؛ فأما الأحاديث التي يُحتاج إليها في الفقه، فلا بد من حفظها معه، فعلى الكتاب والسنة بناء أصول الفقه.
وحمل البيهقي قول الشافعي لإسحاق بن راهويه وقد ذاكره: لو كنت أحفظ كما تحفظ، لغلبت أهل الدنيا على هذا، حيث قال: إن إسحاق كان يحفظه على رسم أهل الحديث، ويسْرُد أبوابه سَرْدًا، وكان لا يهتدي لما