للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان الشافعي يهتدي إليه من الاستنباط والفقه، مع حفظه من الحديث لما كان يحتاج إليه، وكان لشدة اتقائه للَّه عز وجل، وخشيته منه، واحتياطه لدينه، لا يستنكف من الرجوع إلى أهله فيما اشتبه عليه منه وباللَّه التوفيق (١).

وأخبرني الشيخ أبو محمد اللخمي شفاهًا بمكة حرسها اللَّه تعالى، عن أبيه، أن (٢) أبا الفتح (٣) ابن سيِّد الناس اليَعْمُرِيَّ الحافظ قال -وقد سأله الحافظ شهاب الدين أحمد بن أيْبك عن حدِّ المحدِّث والحافظ- ما نصه: المحدث في عصرنا، وساق ما أسلفته عنه، ثم قال: فإن انبسط في ذلك، وعرف أحوال مَن تقدَّمه وشيوخه وشيوخهم وشيوخ شيوخهم، طبقةً طبقة، بحيث تكون السلامة من الوهم في المشهورين غالبة عليه، ويكون ما يعلمه من أحوال الرواة في كل طبقة أكثر مما يجهله، فهو حافظ.

وأنبأني الإمام أبو محمد النحوي رحمه اللَّه، عن أبي حفص الدمشقي، أنه سمع الحافظ أبا الحجَّاج المِزِّي -وقد سئل عن الحد الذي إذا انتهى إليه الرجل، جاز أن يُطلق عليه الحافظ. فأجاب بأنه يرجع إلى أهل العرف، فقيل له: وأين أهلُ العرف؟ قال: هم قليل، لكن أقلَّ شيء أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبُلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم، ليكون الحكم للغالب، فقيل له: إن هذا عزيز في الزمان، فهل أدركت أحدًا كذلك؟ فقال: ما رأينا مثل الشيخ شرف الدين، يعني الدمياطي، ثم قال: وابن دقيق العيد كان له في هذا مشاركة جيدة، ولكن أين الثريا من الثرى؟ فقيل له: هل كان يصل إلى هذا الحد؟ فقال: ما هو إلا أن كان يشارك (٤) مشاركةً جيدة في هذا، أعني الأسانيد، وكان في المتون أكثر لأجل الفقه، والأصول.


(١) عبارة: "وباللَّه التوفيق" من (ب).
(٢) "أن" ساقطة من (أ).
(٣) في (ط): "أبا القاسم"، خطأ.
(٤) في (ب): أن يشارك.