للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهُما اللَّذان على الرّضاع وفُرْقَةٍ ... وسقوط قَذْفٍ للأصول تحمَّلا

هُنِّيتَ بالإفتاءِ والتَّدريس والعلم الـ ... ـذي أضحى عليك مُسَهَّلا (١)

وكتب إليه الزَّين عبد الرحمن بن محمد بن سلمان بن الخراط، فيما قرأته مِنْ خطِّه ملغزًا في البنكام (٢).

ما قول الإمام أحمد، المبْعُوث إلى أهل البلاغة بالإعجاز، والمحلَّى بعقُود حِلَّةِ أجياد الألغاز، في اسم خماسي تشابه -كمسمّاه- طرفاه، شقَّ الصائغُ القدير في وسطه فاه، وأنطق (٣) لسانه بخفيِّ الأسرار. والعجبُ أنَّه يهدي إلى الجنَّة وهو مِنْ أهل النار، وأعجبُ مِنْ ذا أنه خفيٌّ ظاهر واقف، وقلبه في الملكُوتِ سائر، قائمٌ في خدمة ربِّه لا يعرف الهُجود، ملازِمٌ الخَمسَ، لكن مِنْ غير ركوع وسجود. كم حجَّ مُحْرِمًا إلى بيت اللَّه الحرام، وعاد منه وما أحلَّ عَنِ الإحرام، لا تعرف منه الأهلَّة، وكونه عليه مِنْ أوضح الأدلة وما وجب عليه، وقد وجب أن هذا مِنَ العجب. هذا وهو صاحبُ الوقت مِنَ الصَّالحين الأبدال، كم قطع مسافات، ولم يبرَحْ مكانَه، متقلِّبُ الأحوال مِنْ ذوي الكشف عن الأمور الخفيَّات، مِنَ الذين رفع الرَّافعُ الخافض (٤) بعضهم فوق بعض درجات، يخبِر بما حواه الليلُ والنهار بكشفه، لا بحَدسِه، لكن لا يعلمُ ما في نفسك وأنت تعلمُ ما في نفسه، صُحبَتُه هدايةٌ إلى الخير وغبطة، ما فيه مِنْ عَيْبٍ، سوى أنَّه يقول بالنُّقطة، لطيفُ الشَّكل، حلوُ الوصل، للرَّقيب محبوب، لا يقَرُّ له قرارٌ حتَّى يستوفي المكتوب. خفيف له رِدْفٌ ثقيل وجسمٌ رقيق، وصورتُه -يا مفتي الفرق- فرعان، بينهما فرْقٌ دقيق، كلاهما وهَّابٌ لا يمسك، وسخِيٌّ لا يملك، بين تعب وراحة وكدٍّ واستراحة، يُعطي ويأخذ، لا وجودًا ولا عدمًا، حرفان


(١) في (ب): و"مختصر السفيري": "ميسرًا ومسهلًا" وكذا كانت موجودة في (ح) ثم شطبت.
(٢) البنكام: الساعة الرملية.
(٣) في (أ): "وانطلق".
(٤) في (أ): "الحافظين"، تحريف.