للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأملى عليَّ أحاديثَ مِنْ حفظه، ثم سيَّر إليَّ الأصول، فقابلتها، فوجدتها كما أملاها، وفي بعض هذا يُطلق عليه الحفظ، لكن قال الحافظ الذهبي عقب حكايته: وليس هذا هو الحفظ العُرفي.

ثم قال العراقي: وقد وقفت على كلام للزُّهريِّ يدلّ على قلَّة مَنْ يُوصفُ بالحفظ، ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، في ترجمة الوليد بن عُبيد اللَّه، فقال: روي عن الزهريّ أنه قال: لا يُولَدُ الحافظ إلا في كل أربعين سنة، روى عمار بن رجاء عن محمد بن بشير بن عطاء بن مروان الكندي [عنه. هكذا في نسختي من "الجرح والتعديل"، ولعله عن محمد بن بشير بن مروان الكندي] (١). هكذا ذكره ابن الجوزي في "الضعفاء" والذهبي في "الميزان"، قال فيه يحيى: ليس بثقة، وقال الدارقطنيُّ: ليس بالقويِّ في حديثه، فعلى هذا لم يصح هذا الكلام عنه، [وعلى تقدير صحته عنه] (٢)، فيكون المراد رُتبة الكمال في الحفظ والإتقان، وإن وُجد في زمانه مَنْ يُوصَفُ بالحفظ، [وكم من حافظ] (٣) وغيرُه أحفظ منه. انتهى.

وقد ظفرت بما يُستأنس به لما رُوي عن الزهري من حديث الزهري نفسه، فذكر أبو عبيد اللَّه المرزُبانيُّ عن أحمد بن محمد العَرُوضي أن أبا مُحَلِّم كان يقول: لزمتُ ابن عيينة، فلم أفارق مجلسه، فقال لي: أراك حَسَن الملازمة. ولا أراك تحظى من ذاك بشيء؛ لأنك لا تكتب، فقلت: أنا أحفظ، قال: فكلّ ما حدثتُ به حفظته؟ قلت: نعم، فأخذ دفتر إنسانٍ بين يديه، فقال لي: أعِدْ عليَّ ما حدثت به اليوم، فما أخرمْتُ منه حرفًا، فأخذ مجلسًا من الماضي، فأمررته عليه، فقال: حدَّثنا الزهري عن عكرمة، قال: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: يقال: إنه يُولَدُ في كل سبعين سنة من يحفظ كل شيء، قال ابن عُيَينة: أراك صاحب السبعين. انتهى.


(١) ما بين حاصرتين ساقط من (أ، ط).
(٢) و (٣) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).