وقد كنا نعدُّهُمُ قليلًا ... فقد صاروا أقل من القليل
انتهى.
وهذا البيت يلي قول قائله:
وما بقيتْ مِنَ اللَّذاتِ إلا ... محادثة الرجال ذوي العقول
لكن لما لم يكن صالحًا للاستشهاد به في هذا المحل أضربَ عن إيراده، ورحم اللَّه الخطيب. كيف لو أدرك زماننا؟
وقد قال صاحب الترجمة -عند قول النووي في خطبة "شرح مسلم"(١): ولقد كان أكثر اشتغال العلماء بالحديث في الأعصار الخاليات، حتى لقد كان يجتمع في مجلس الحديث من الطالبين ألوف متكاثرات، فتناقص ذلك، وضعفت الهِمَمُ، فلم يبق إلا آثارٌ من آثارهم قليلات، واللَّه المستعان على هذه المصيبة وغيرها من البليات- ما نصه: لا شك أن نقص الاشتغال بكلِّ علم قد وقع بكل قطر، لكن حظ هذا العلم الشريف مِنْ هذا النقص أزيد؛ وذلك أن كثيرًا من البلاد الإسلامية قد خلت عمَّن يحققه رواية، فضلًا عن الدراية، وما ذلك إلا لركونهم إلى التقليد، وقصور هِمَمِهم عن محاولة ما يحصِّل درجة الاجتهاد، ولو في بعض دون بعض. انتهى.
وكذا قال الحافظ أبو سَعْد بن السمعاني: إن الحافظ لقَبٌ لجماعة من أئمة الحديث لحفظهم له، ومعرفتهم إياه، وذبِّهم عنه، فيهم شهرة.
ونحوه قول صاحب الترجمة: هو لقبٌ مَنْ مَهَر في علم الحديث. وحكى ابن السمعاني عن شيخه أبي القاسم التيمي صاحب "الترغيب" ما معناه: أنه كتبها لأبي زكريا يحيى بن منده، فرآه أبو عبد اللَّه الدقاق، فقال: يا أبا القاسم، أما تستحي؟ وكيف تستجيزُ وصف يحيى بذلك، وأيش يحفظ