للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنه مسألة قاضي جِبْلة وعدن محمد بن عمر الحزيزي عن رجل يصلِّي بالنَّاسِ إمامًا، فإذا سلَّمَ، تأخَّرَ قليلًا، وجعل وجهه إلى المشرق وظهره إلى المغرب، وأتى بالذكرِ ثمَّ بالدُّعاءِ وهو على الحالة المذكورة، وزعم أنَّ ذلك قد رُوي عَن النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، واستقرَّ حالُه دائمًا على ذلك في جميع الصلوات، فهل ذلك صوابٌ؟ وهل كان النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ مِنَ الصلاة وقف في المصلى يأتي بالذكر والدعاء المأثور وهو على حالة الاستقبال، أو على ما يفعله الإمام المذكور؟ وهل المراد بالانصراف مِنْ الصلاة الانصراف (١) في الجهات عند الخروج مِنَ المسجد عن اليمين والشمال كما ذكره صاحبُ "البيان" مفسرًا به لما ذكره البغداديون، ما نقله عن صاحب "الإبانة" أنَّ المرادَ عن اليمين عند أكثرِ أصحابنا أن يفتِلَ يدَه اليسرى، ويجلس على الجانب الأيمن (٢) من المحراب. وقال القفال: الانصراف عن اليمين هو أن يفتِل يدَه اليمنى، ويجلس على الجانب الأيسر من المحراب كما في الطواف يجعل يده اليُسرى إلى الكعبة واليمين إلى الناس.

فهل لما قالاه دليلٌ مِنَ السُّنَّة؟ وهل صحَّ ما نقلاه عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل الذكر أو بعده. ونص الشافعي رضي اللَّه عنه على استحباب الانصراف للإمام عَقِبَ السَّلامِ إن لم يكُنْ معه نساءٌ، كما ذكره الشيخ عز الدين بن عبد السلام وغيره.

وهل في الأحاديث الصحيحة ما يخالِفُ هذا النص؟ وهل في حديث البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما، حيث قال: كنا إذا صلينا خلف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحببنا أن نكونَ عَنْ يمينِه يُقبِلُ علينا بوجهه. إلى آخر الحديث، دليلٌ لما يفعلُه المصلِّي المذكور مِنَ التأخُّرِ قليلًا واستقبال المشرق، واستدبار المغرب دائمًا أو لا؟ إذ قد يقال: إنَّ مراد البراء رضي اللَّه عنه بقوله: "يُقبل علينا بوجهه" حالة السلام، أو أنه انحرف، ولم يكن انحرافُه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليذْكُرَ ويدْعُوَ مستقبلًا للمشرق، أو قد يكون لسببٍ ما.


(١) ساقطة مِنْ (أ).
(٢) في (ب): "الآخر".