قال شيخنا: وقد قال في باب السلام: لو قال المبتدىء: عليكم السلام، هل يكره؟ نعم، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"لا تقُلْ: عليكَ السَّلامُ، فإنَّ عليك السلام تحيةُ الموتى". فهذا يقتضي: أن لا يستوي الأحياء والأموات، أو يجاب عن الحديث المذكور.
وقال أيضًا -يعني النووي- قال الواحديُّ: وأمَّا المشتغلُ بقراءة القرآن، فالأولى أن لا يُسَلَّم عليه، فإن سُلِّمَ، كفاه الرَّدُّ بالإشارة. قال: والظَّاهر أنه يسلم، ويجبُ الرَّدُّ نطقًا. ثم قال: وإذا كان مشتغلًا بالدُّعاء، مستغرقًا فيه، مُجْتَمِعَ القلبِ، فالأظهر عندي أنه يُكرهُ السَّلام عليه؛ لأنَّه يتنكَّدُ به، ويشقُّ عليه أكثر مِنْ مشقَّة الأكل.
قال شيخنا: فإذا كان القارىءُ بهذه الصِّفَةِ، كان حكمُه حكمَه، وإلَّا فما الفرقُ، وهلا حَمَلَ كلام الواحديِّ على مَنْ هو بهذه الصِّفة التي ذكرها في الدَّاعي؟ بل كلام الواحدي أقرب، فإنه قال: الأولى أنْ يَرُدَّ، وقال هو: يكره. فما العُذْرُ عنه؟
وقال أيضًا في قول عائشة رضي اللَّه عنها: لو علم النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أحدثَ النِّساءُ لمنعهُنَّ. قال: يعني مِنَ الزِّينة والطِّيبِ والثِّياب الحَسَنَة ونحوها (١).
قال شيخنا: المنع مِنْ المذكورات كان مُقَرَّرًا في السُّنَّةِ قبلَ قولها هذا، والأحاديثُ الصَّحيحةُ في ذلك معلومةٌ ظاهرة، وقد ورد في بعض طرقه:"كما مُنِعَت نساءُ بني إسرائيل"، فالظَّاهر أنها أرادت المنعَ مِنْ إتيان المساجد. وقد قال أصحابُنا: لا يُسَنُّ لها حضورُ الجماعة إلا أن تكونَ عجوزًا لا تشتهى، وكذا قولهم في الجمعة، ولم يُعلِّلُوا ذلك بطِيبٍ ولا غيره، ويستدلُّونَ في الشُّروحات بحديثِ عائشةَ هذا.
وقال أيضًا في قوله:"كان يُسْمِعُنا الآية أحيانًا" فعلَه لبيانِ جوازِ الجَهْرِ
(١) جاء في هامش (ح) ما نصه: يظهر مِنْ أول هذا الكلام أنه فهم إلى قوله: يحني مِنْ الزينة إلخ، متعلق بقوله لمنعهن. وليس كذلك، بل هو متعلق بقوله: ما أحدث النساء. وقوله: لمنعهن، أي: مِنْ المساجد، كما هو في آخر الكلام. فافهم. والضمير حينئذ في "هن" للنساء.