للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذ ذاك، فرأى فيها مكروهًا كثيرًا، بل قيل: إنَّ هذا التِّلميذَ لو رأى مِنْ القاياتي حينَ قُدومه مِنْ هذا السفرة التي كاتبَه فيها بما أُشير إليه مزيدَ إقبالٍ، لكانَ هُو المطاعِنَ في صاحب التَّرجمة وولده عنده، لكنَّه خُذلَ ببابه في كائنةٍ سهلة.

ورأى شيخنا مرة قد ترجم التَّاجَ عبد الرحمن بن الشهاب الأذرعيِّ قاضي دمنهُور، وقال في ترجمته: رحل إليه ابن فهد، فكتب المشارُ إليه بهامشِ خطِّه ما نصُّه: سبحان قاسمِ الحظوظ، لم يرحل إليه ابنُ فهدٍ إلَّا معي، ولا سَمِعَ عليه إلا بقراءتي. ووقف صاحب الترجمة على ذلك، وكان وقع في خاطري جمع ترجمة شيخنا في حياته، والتمستُ منه أن يملِيَ عليَّ منها ما لا أطَّلِعُ عليه إلا مِنْ قِبَله، فقال لي: قد كتب فلانٌ -وعنى المهملَ- عنِّي شيئًا مِنْ هذا، والآن كما حضر عندي صهرُه، وأرسلتُ له به معه، فاطلُبْه منه حتَّى أُرشِدَك لما فيه حصولُ المقصِدِ، فتوجهتُ مِنْ فوري إليه، وحكيتُ له الواقعة، فقال لي بصوتٍ مرتفع: هيهات هيهات، قد غيَّرتُ وبدَّلتُ، أيظُنُّ بقاءها كما شاهدها. لا واللَّه، فرجعتُ وبي مِنْ الغُبن ما اللَّه به عليم. هذا وصاحبُ الترجمة يعلم بذلك وأزْيَدَ منه، ويحلم عليه في ذلك كلِّه، بل ولا يظهر له إلا الجميلَ ولينَ القولِ والانبساط، أثابه اللَّه على صنيعه.

ولما مات صاحبُ الترجمة، توجَّه هذا المبهم لبعض خواصِّ الكمال ابن البارزي منْ أحبابنا، كثَّر اللَّه منهم، وقال له عن ولدِه: إنَّه عاميٌّ، وصفته كَيْت وكَيْت، وذكر أوصافًا، وأُحبُّ أنَّ القاضي يأخذ لي مِنَ الكتب التي عنده الكتابَ الفلانيَّ، فما انجرَّ المشارُ إليه معه لهذا، حِفْظًا لشيخه في ولده، لمزيدِ حُبِّه فيه، وما بلغ -وللَّه الحمد- منه أربًا. وحاول مناكدَتَه مرَّةً بعد مرَّةٍ، فما ظفر.

وقد أسلفت في الباب الرابع حكايةً للوجيزي أيضًا دالة على سعة حلمه.

وكتب له بعض الطلبة ورقة فيها ألفاظٌ غير لائقةٍ بجنابه، لكونِ هذا الطالب تعرَّض له طالبٌ آخر، وشيخهما ساكتٌ، فلم يُعجِبْه ذلك، ولامه عليه، فكتبَ له ما نصه: نظرَ العبدُ لما سطر باطنها، والجوابُ ما قيل به