للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العقبي، وفهمتُ قصده في ذلك، فلم ألتفت لقوله، وكرر ثانيًا وثالثًا، وصمَّم وجاكر، فلم أُجِبْ سؤاله، وقلتُ في المجلس: لا أستجيزُ بحضورِ شيخِ مشايخ الإسلام استجازةَ غيرِه أدبًا. وصار شيخنا لا يُظهر تأثرًا بذلك، مع فهمه مِنْ مقصده ما فهمْتُ، بل صار يقول: قد أعلمتُ أصحابنا بما للشِّهاب معي مِنْ المسموع. وخرَّج له صاحبنا -وأشار إلي- مشيخةً بيَّن فيها ذلك (مع غيره) (١)، وأحضرها إليَّ، فكتبت له عليها "الفتح القُربي في مشيخة الشِّهاب العقبي".

واتفق حضورُ الجنازةِ، وقيامُ الجماعةِ للصَّلاة، ورجع ما أخفاه الحنبليُّ في هذه الواقعة عليه، فاستمرَّ مضمرًا لي ذلك مع حادثةٍ اتَّفقت لي معه بعد وفاة صاحب الترجمة، قُهِر -وللَّه الحمد- فيها كهذه أو أعظم، وما كفَّه عنِّي إلا اللَّه عز وجل، لما علمت مِنْ شدَّة بأسه، وقيامه في ناموس نفسه. وكنتُ لما استشعرت منه إضمارَ شيءٍ مِنْ أجل ذلك، واتَّفق توجُّهي لمكَّة المشرفة، شربتُ ماء زمزم لكفاية أمره، ورجعت فقابلني بالإكرام، ووالى ذلك عليَّ مرَّةً بعد أخرى، وصِرْتُ بسبب ذلك أتردَّد إليه أحيانًا، إلا أنَّه مات عَن قُرْبٍ جدًا، رحمهم اللَّه تعالى.

هذا مع أنَّ الحنبليَّ المشار إليه كان تلميذه ونائبه، بل كان يحكي عن نفسه أنَّه كان ابتداء أمره يقرأ "الشفا" عند ضريح إمامنا الشَّافعي، وفي يوم ختمه يحضُرُ شخصٌ مِنْ المتموِّلين (٢)، فيفرقُ على الفُقراء الحاضرين صُرَّة صرَّة، ويُعطي القارىء فيما بينهما صُرَّةً جيدة. قال: فاتفق في بعض السِّنين أن ماتَ هذا الرَّجل يومَ الختم. قال: فقلت في نفسي: مِنَ الإنصاف حضورُ جنازته، ثمَّ نرجع، فنختم، ونُهدي ثوابَ ذلك في صحيفته، ففعلتُ بحضورِ مَنْ له عادةٌ مِنْ الفقراء في الحضور، وحصل منهم تألُّمٌ على فقده، فلمَّا كان مساء تلك الليلة، رأيتُ في المنام كأنَّ عندي مِنَ الغنم ما لا


(١) ساقطة مِنْ (ب).
(٢) في (ب، ط): "المتولين".