للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رأيتُ اليوم عجبًا، وما سلَّمني مِنْ القتل إلا اللَّه تعالى! كنتُ بالقاهرة، فطلعتُ الجامع الذي بناه السلطان -يعني البرقوقية- فأجدُ خَلقًا قد ملؤوا إيوانها (١) الكبير، وشخصٌ في صدر المكان يصيحُ عليهم، وهم يضاربونه بأجمعهم، إلى أن تعبوا مِنَ الكلام، ثم قام كلُّ واحدٍ منهم إلى نعلٍ، فأخذه، وجئتُ قبل تمام الوقعة!.

ثم يحكي عقبها سواء حكاية أظن أنها قديمة تُشبهها، وهي أن آخرَ مثلُ الأول قال: دخلتُ جامعًا، فأجِدُ شخصًا على مكانٍ مرتفع وبيده سيفٌ وهو يشتمُ مَنْ بينَ يديه ويحتدُّ عليهم، وهم سكوتٌ، وربما بكى بعضُهم مِنْ شدَّة الخوف، إلى أن تعِبَ، فنزل إليهم والسَّيف في يده، فقاموا إليه بأجمعهم ليقاتلوه، وفارقتهم قبل تمام الوقعة!.

وحكى لنا أيضًا أنَّ شخصًا سمع الخطيب يقول: حديث "لا يدخل الجنَّة قتات"، فشرع يبكي وينتحبُ، فسأله مَنْ بجانبه: لماذا؟ فقال: أنا حِرْفتي بيعُ القتِّ، وقد قال الخطيب ما سمعتَ! فقال: إنَّما معناه النَّمام.

قلت: وهذه الحكاية رأيتها في ترجمة الحافظ أبي إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد اللَّه بن الحبَّال، قال الحافظ محمد بن طاهر: سمعته يقول: كنَّا يومًا نقرأ على شيخٍ جزءًا، فقرأنا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يدخُلُ الجنَّة قتَّات". وكان في الجماعة رجلٌ يبيعُ القتَّ، وهو علفُ الدَّوابِّ، فقام وبكى، وقال: أتوب إلى اللَّه مِنْ بيع القتِّ، فقيل له: ليس هو الذي يبيع القتَّ، ولكنَّه النَّمَّام الذي ينقُلُ الحديثَ مِنْ قومٍ إلى قومٍ، فسكن بكاؤه، وطابت نفسُه.

وحكى لنا أيضًا أن بعضهم جلس ليبُول، فوقف بالقرب منه شخصٌ، فقال له: منعتني نفع بولتي بوقوفك، فإنَّ الحياء منك يمنعني (٢) مِنْ إخراج الريح.

قلت: وهذا مرويٌّ عن حُميد بن هلال، فروى الحسن بن قتيبة المدائني عن الحسن بن دينار -أحد الضعفاء- قال: حدثنا حميد بن هلال،


(١) في (ط): "أبوابها"، تحريف.
(٢) في (ب، ط): "منعني".