إذا عرفت هذا: علمت أن اقتصار المحدث الحوينى في كتابه "تنبيه الهاجد" على نقل سنده من "شعب البيهقى" من أول أبى زرعة فقط، يوهم أن ما دون أبى زرعة لا كلام فيهم، وقد عرفت ما في الجعبة. ويقع لأبى أسحاق في كتابه الماضى ألوانٌ كثيرة من هذا القبيل، حيث يتعقب جماعة من الكبار في مثل قولهم: "لم يروه عن فلان إلا فلان" أو: "مشهور من حديث فلان وقد تفرد به ... " فيأتى أبو إسحاق - حفظه الله - ويتعقب بعض هؤلاء قائلًا: "قلتُ: رضى الله عنك! فلم يتفرد به فلان؛ بل تابعه فلان ... " وتكون هذه المتابعة لا يصح سندها إلى ذلك المتابع أصلًا، وإن كان الشيخ موفقًا في غالب تعقباته. وعود على بدء فنقول: قد صحَّح الحافظ في "مختصر زوائد البزار" [١/ ٥٦٥]، الإسناد الماضى، وتعقبه الإمام في "الصحيحة" بكونه تساهلًا ظاهرًا. وصنيع الإمام يوهم كون الحديث إسناده حسن فقط. وقد صححه الحاكم على شرط مسلم، وقال المنذرى في "ترغيبه" [٣/ ١٩٧]: "صحيح على شرطهما" وقال البوصيرى في إتحاف الخيرة [رقم ٣٠٦٦]: "إسناده صحيح". وكل ذلك غفلة مكشوفة عن كون الإسناد فيه (سعيد الجريرى) ذلك المختلط المشهور، والراوى عنه (شداد بن سعيد) "لم يذكر أحد أنه سمع من الجريرى قبل اختلاطه، بل شواهد الأحوال تدل على أنه من هؤلاء الصغار الذين سمعوا من الجريرى بآخرة. فتلك الآفة هي علة هذا الحديث التى خفيت على كل من صححه - لذاته - أو حسنه. ثم وجدتُ فيه علة أخرى، وهى أن مسلم بن إبراهيم قد خولف فيه، خالفه سلم بن قتيبة، فرواه عن شداد بن سعيد فقال: عن معاوية بن قرة عن ابن عباس به نحوه ... ، هكذا أخرجه الدولابى في "الكنى" [٢/ ١٨]، بإسناد صحيح إلى سلم بن قتيبة به ... =