والتحقيق: أنه صالح حسن الحديث إذا روى عن هشام بن عروة أو أبيه، وهو ضعيف في غيرهما. أما التفرقة في قبول حديثه بين ما حدث به ببغداد وبين ما رواه في المدينة، فيقبل الثاني دون الأول، فهذا ليس بجيد عندى؛ بل الرجل ضعيف مطلقًا إلا في هشام وأبيه كما مضى. وإنما مراد مَنْ فرق من الأئمة بين ما حدَّث به في بغداد وما رواه في المدينة. فذلك للأمن بأن أحاديثه التى بالمدينة لم تدخل عليه من قِبل بعض السفهاء عن طريق التلقين كما فعلوا معه في بغداد، ويدل على ذلك قول ابن المدينى فيه. وحاله في ذلك كحال ابن لهيعة في تفرقتهم لصحيح حديثه بما رواه عنه العبادلة دون غيرهم؛ لأن العبادلة قد عاينوا أصوله وأخذوا من كتبه، بخلاف غيرهم ... وليس ذلك تصحيحًا لحديثه إذا روى عنه بعض العبادلة كما ظنه البعض، وإنما ذلك التفريق، للتدليل على أن ما رواه أحد هؤلاء إنما هو من حديث ابن لهيعة رأسًا، وليس مما أدخل على الشيخ وهو غافل في سكرة. والثانية: أن يحيى بن سعيد بن دينار مولى آل الزبير، قد جهدتُ للوقوف عليه فلم أوفَّقْ، وقبلى قد بحث الهيثمى فارتد إليه الطرف وهو حسير، وقال في "المجمع" [٤/ ١٥٥١]: "ويحيى لم أعرفه" ولم أجد راويًا بهذا الاسم الثلاثى سوى شيخ مدنى للواقدى، ولم أقف على حاله أيضًا. والثالثة: قول يحيى بن سعيد هذا: (أخبرنى الثقة) إحالة على مجهول أيضًا، وليس يلزم إن كان هذا ثقة عن يحيى بن سعيد أن يكون ثقة عند غيره، وهذا معلوم، فتوثيقه لمن لم يسم مردود عند أهل التحقيق ولو أقسم عليه بالأيمان الغلاظ. والرابعة: هذا الثقة عند يحيى بن سعيد: لا ندرى طبقته في النقلة ورواة الأخبار، فربما كان تابعيّا فيصير الحديث مرسلًا. لكن للحديث شواهد: أقربها إلى لفظه حديث ابن عباس الآتى [برقم ٢٤١٤]، وسنده جيد. وله شواهد أخر نذكرها هناك إن شاء الله.