قلتُ: هذا إسناد كنتُ أضعِّفه قديمًا، ومضيتُ على ذلك برهة من الزمان، حتى ظهر لى أنه حسن صالح لا بأس به، بل ربما يكون أعلى من ذلك، والذين ضعفوه إنما أعلوه بعلتين، نذكرهما ونجيب عليهما باختصار، فنقول: أما الأولى: فإنهم قالوا: في سنده إياس بن عامر وهو شيخ مستور، لم يرو عنه سوى ابن أخيه موسى بن أيوب وحده، ولم يوثقه سوى ابن حبان والعجلى وهما متساهلان، وقال الذهبى عنه مرة: "ليس بالقوى" ومرة قال: "إياس ليس بالمعروف" وعلق الإمام في "الإرواء" [٢/ ٤١]، على مقولة الذهبى الثانية فقال: "قلتُ: وهو الذي يقتضيه علم المصطلح، أنه غير معروف ... ". والثانية: أن موسى بن أيوب الغافقى وإن وثقه أبو داود وابن معين وغيرهما، إلا أن ابن معين قال عنه في رواية: "ينكر عليه ما روى عنه مما رفعه .. " ... وهذا خلاصة ما أعلوا به هذا الإسناد الماضى. والرد عليهم من وجهين: أما الأول: فإياس بن عامر ليس مستورًا كما قلتم، بل الرجل إن لم يكن ثقة فلا ينزل عن رتبة الصدوق أصلًا، فقد وثقه ابن حبان والعجلى وصحَّح له الحاكم وابن خزيمة وابن حبان أيضًا. واعتمد الحافظ ذلك في "التقريب" فقال: "صدوق" فإن لم يعجبكم هذا كله، فخذوا توثيقه صريحًا للغاية: قال ابن حبان في "صحيحه" [٥/ ٢٢٥/ عقب رقم ١٨٩٨]: "إياس بن عامر من ثقات المصريين" وهذا توثيق عزيز مقبول منه على التحقيق، فإن قيل: قد عرف الخاصة والعامة تساهل ابن حبان العجيب. قلتُ: ليس ذلك على الإطلاق، بل لتوثيقه مراتب ودرجات، فليس ذكره لراوٍ ما في "ثقاته" يضارع قوله عن الراوى "ثقة" أو "مستقيم الحديث" ونحو ذلك. فالثانى: يوحى بكونه قد وقف على مروياته، وسبر أحاديثه حتى ظهر له من كل هذا أنه (ثقة)، بخلاف ذكره المجرد له في "الثقات"، لأنه في الغالب يكون على قاعدته التى ذكرها في مقدمة =