ولذلك كان ابن حبان في مواضع يذكر الراوى قائلًا: "لستُ أعرفه ولا أدرى من أبوه" راجع "تمام المنة" [ص ٢٢، ٢٣، ٢٤]، وقد ذكر نحو هذا عن ابن حبان: المحدث أبو إسحاق الحوينى في كتابه "النافلة" [رقم ١٢٢]، ثم قال في نهاية كلامه - وهو بمعنى ما سبق: "فحاصل البحث: أن مجرد ذكر ابن حبان للرواى في "الثقات" لا يساوى أنه قال فيه: "ثقة" نصًا، وهذا التفريق لم أر أحدًا نبَّه عليه ... ). قلتُ: وهو كما قال الشيخ - سدَّده الله - لكن قوله: "وهذا التفريق لم أر أحدًا ... " فيه نظر، بل نبَّه على معنى هذا التفريق العلامة المعلمى اليمانى في "التنكيل" [٢/ ١٢٥]، في ترجمة (ابن حبان)، فكأنَّ المحدث الحوينى قرأه منه، ثم نسى وقال ما قال، وإلا فلا أعلم أحدًا سبق العلامة المعلمى اليمانى إلى معنى هذا التفريق، وقد زدنا ذلك التفريق وضوحًا في كتابنا "المحارب الكفيل بتقويم أسنة التنكيل". فإن لم يقتنع المخاصم بتوثيق ابن حبان الصريح لإياس بن عامر، نقول له: لا عليك، فدعك منه كما تحب، وخذ توثيقًا آخرًا لإياس بن عامر من حافظ ثقة مأمون إلى الشدة هو أقرب منه إلى التساهل، أعنى أبا يوسف يعقوب بن سفيان الفسوى الفارسى الدم، فقد ذكر "إياس بن عامر" في جملة ثقات التابعين من أهل مصر في كتابه "المعرفة والتاريخ" [٩/ ٥٠٢]، فقال: "ومنهم إياس بن عامر الغافقى ... " ثم أخرج له هذا الحديث. ويكفى هذا ولا مزيد. أما قول الذهبى "إياس ليس بالمعروف" فمردود بكون ابن حبان عرفه ووثقه نصًا، ومثله الفسوى كما مضى. وأما قوله الآخر: "ليس بالقوى" فمردود عليه، وليس للمتأخر أن يضعِّف من الأوائل ما ليس له فيه سلف، كما ليس له أن يوثق ما لم يسبقه أحد إلى توثيقه، ما لم يقم بالبرهان على ذلك التوثيق أو التضعيف، وأين الآخر من (إياس بن عامر)؟! ومن غمزه فضلًا عن أن يضعفه؟! ولو صح أن للذهبى سلفًا في تليينه هذا المصرى الثقة، فهو معارض بتوثيق مَنْ وثَّقه، فلا بد آنذاك من الجمع بين أقوالهم بما يقتضيه قانون الجرح والتعديل. وأرى أن الحافظ قد صنع ذلك بقوله عن إياس: "صدوق" وهذا مع التنزُّل كافٍ في قبول حديث الرجل، وتأمل!. =