• قاعدة مهمة: قد كثر الكلام في هذه الأعصار المتأخرة حول تدليس أبى الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكى، بحيث لو تقصينا مناقشات ومجادلات أهل عصرنا في ذلك، لجاءت في رسالة مفردة، ولعلنا نتتبع ذلك في مكان آخر إن شاء الله. ومن أنصف من نفسه، وانتهج السبيل المبين في تدليس أبى الزبير، لاختار التوسط والاعتدال بين من يعاند دون إثبات تدليسه فضلًا عن الإعلال به، وبين من يُعل كل حديث عنعنه أبو الزبير، ولو شئنا أن نخاصم هاتين الطائفتين، ونتقحم في غمرات عراك مع ذينك الفرقتين لما عدمنا بيانًا ولا حجة، ولقمنا باستيفاء المناهضة على بصيرة من الله ومحجةً. ولكن نرى أن الخطب أهون من هذا كله، ولو سكت من لا يعلم لانقطع الخلاف، لكن لا بأس أن نذكر من ذلك شذرات في هذا المقام؛ لكون ذكر أبى الزبير قد وقع كثيرًا هنا في "مسند جابر" وحتى لا نحتاج إلى إقامة البرهان على تضعيف ما عنعنه أبو الزبير عن جابر كلما تكررت تلك الترجمة في "مسند جابر" وإنما نكتفى - بعد ذلك - بالإحالة على ما نحققه هنا إن شاء الله. فنقول: ثبت عندنا - كما يأتى - تدليس أبى الزبير ببرهان لا يحتمل التأويل أصلًا، وباعترافه نفسه كما سنذكره. لكن ثبت لدينا أيضًا أن تدليس أبى الزبير مقتصر على ما رواه عن جابر بن عبد الله وحده، ولم يصح عندنا أنه دلس عن غيره أصلًا. نعم وصفه النسائي بالتدليس ولم يُقيِّد، فذهبنا إلى حمل ذلك على تدليسه عن جابر؛ لما ثبت لدينا من البرهان على ذلك كما يأتى. وانتهينا إلى أن حديث أبى الزبير عن غير جابر محمول دائمًا على الاتصال وإن عنعن، اللَّهم إلا إذا تبين لنا من كلام النقاد غير ذلك، أما حديثه عن جابر فمردود أبدًا إلا إذا توفر فيه أحد شيئين: ١ - أن يصرح أبو الزبير فيه بالسماع من جابر نصّ، وهذا مقبول عند الجميع بلا خلاف، إلا إذا ظهر لنا خلافه، كأن يكون جماعة رووا عنه حديثًا عنعن فيه عن جابر، ثم جاء بعض الضعفاء فيرويه عنه مصرحًا بسماعه له من جابر، وكذا لو خالف ثقة جماعة من الثقات في ذلك، وهذا كله ليس له قانون مطرد، وإنما هو بحسب القرائن. =