وكلام ابن معين الماضى لا يفهم منه ما فهمه النووى فقط، من كون يحيى يرجِّح الموقوف على المرفوع، بل قوله: "ولا أظن هذا الحديث إلا غلطًا" يدل على كون يحيى بن آدم قد غلط فيه ولا بد، إما متنًا أو إسنادًا، ولعل الثاني أقرب لقول يحيى: "لم يرفعه إلا يحيى بن آدم"، فقد يكون هناك من خالف يحيى بن آدم ورواه عن الأعمش موقوفًا، أو يكون ابن معين ينكر على يحيى ابن آدم تفرده بالحديث رأسًا، ولم يظهر لى المراد من عبارة ابن معين بعد، ثم رأيتُ البزار قد أخرج الحديث في "مسنده" [رقم ٨١٣/ كشف الأستار]، من طريق عليّ بن سهل المدائنى عن بشر بن آدم عن يزيد بن عبد العزيز عن الأعمش بإسناده به .... ثم قال البزار: "لا نعلم رواه إلا جابر بهذا الإسناد، ويزيد كوفى مشهور لم يتابعه على هذا، وإنما يحفظ عن الأعمش بهذا: إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثًا". قلتُ: وهكذا رواه أصحاب الأعمش عنه على هذا الوجه: منهم جرير وعيسى بن يونس والثورى وأبو معاوية وأبو بكر بن عياش وغيرهم، ورواياتهم عند أحمد [٣/ ٤٠٠]، وابن خزيمه [٧٦]، وابن أبى شيبة [١٦٤٤]، والبيهقى في "سننه" [٥٠٧]، وابن المنذر في "الأوسط" [٢٨٦]، وابن المقرئ في "المعجم" [رقم ٦٦٤]، وابن عساكر في "المعجم" أيضًا [١٠٩٠] وغيرهم، كلهم من طرق عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر به ... فإن صحَّ ما قاله البزار - وأراه قريبًا - فهو المراد من قول ابن معين: "ولا أظن هذا الحديث إلا غلطًا" يعنى بهذا المتن: "إذا أجمرتم الميت فأوتروا"، لكن في سند البزار الماضى ما يخشى عاقبته، وأرى أن فيه سقطًا أو تحريفًا، و (بشر بن آدم) لعله محرف من (يحيى بن آدم). ثم إن الحديث مشهور - كما مضى - برواية (قطبة بن عبد العزيز عن الأعمش) فما جاء بأخيه (يزيد بن عبد العزيز)؟! ويبعد عندى أن يكون يزيد قد تابع قطبة عليه، فإما أن يكون قد وقع =