للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَت: أَىْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا المُبْتَلَى؟ وَوَاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ إِذ كَانَ صَحِيحًا، قَالَ: فَإِنِّى أَنَا هُوَ، وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ: أَنْدَرُ لِلْقَمْحَ، وَأَنْدَرُ لِلشَّعِيرِ، فَبَعَثَ اللَّهُ سَحَابَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَتْ إِحدَاهُمَا عَلَى أَنْدَرِ الْقَمْحِ أَفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَ، وَأَفْرَغَتِ الأُخْرَى عَلَى أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الْوَرِقَ حَتَّى فَاضَ".


= وهذا منه وهمٌ قبيح، ونافع بن يزيد لم يحتج به البخارى أصلًا، إنما أخرج له تعليقًا، وليس هو على شرط مسلم أيضًا؛ لكون تلك الترجمة لم يخرجها مسلم في "صحيحه" لا احتجاجًا ولا استشهادًا.
وقال أبو نعيم عقب روايته: "غريب من حديث الزهرى، لم يروه عنه إلا عقيل، ورواته متفق على عدالتهم، تفرد به نافع" وهو كما قال، وقال البزار: "لا نعلم رواه عن الزهرى عن أنس إلا عقيل، ولا عنه إلا نافع، ورواه عن نافع غير واحد".
قلتُ: منهم سعيد بن أبى مريم وابن وهب وكاتب الليث، وقد غمز ابن كثير في صحة
الحديث، فقال في "تفسيره" [٥/ ٣٦٢/ طبعة دار طيبة]: (رَفْعُ هذا الحديث غريب جدًّا) وقال في "البداية" [١/ ٢٢٣]: (هذا غريب رفعه جدًّا، والأشبه أن يكون موقوفًا).
قلتُ: ابن كثير بصنيعه هذا يُحاكِى أبا حاتم وصاحبه وابن المدينى وأحمد وهؤلاء العمالقة، وكثيرًا ما يذكر الحديث في"تفسيره" بالإسناد النظيف، ثم يقول: "غريب جدًّا، والأشبه أنه موقوف" ونحو ذلك، دون برهان يؤيد دعواه، وهذا شئ لا نقبله إلا من متقدمى نقاد هذه الصنعة وحسب؛ لأن أصول الأحاديث كانت بأيديهم يطلعون عليها، وينتقون منها، ويميزون بين الخطأ والصواب فيها، فإذا ما قال ابن المدينى مثلًا: (هذا حديث خطأ، والأشبه أنه مرسل) ولم يعارضه مَنْ هو مثله أو فوقه أو دونه ببرهان قائم؛ لزمنا قبول كلامه وإن لم نقف على العلة التى لأجلها حكم على الحديث بالخطأ، ورجَّح إرساله أو وقْفه، أما سائر المتأخرين من الحفاظ ونقَدَةُ هذا الفن: فلا نقبل من أحدهم مثل هذا الإعلال دون حجة تُقيم عوج كلامه، وتُفْصِح عن مكنون مرامه. فافهم هذا المسلك فإنه مهم للغاية.
وكم كان ينقدح في صدرى مثلما ينقدح في صدر ابن كثير من استغراب حديث موصول أرى أن الصواب فيه هو الإرسال أو الوقف، ثم أحْجم عن التفوه بذلك؛ لعدم استطاعتى إقامة البرهان عليه، وأقول لنفسى: قف يا هذا ولا تَعْدُ طوْرُك، أتُراك ابن المدينى حتى تتجشم التنفيس عما =

<<  <  ج: ص:  >  >>