والعلة الثانية: هي عنعنة الأعمش، وتدليسه مما أفسد حديث أهل الكوفة كما نص عليه المغيرة بن مقسم، ثم إنه ليس من المكثرين من الرواية عن أبى إسحاق، بل تكلم بعض النقاد في روايته عنه أيضًا، فقال ابن المدينى: "الأعمش يضطرب في حديث أبى إسحاق" كما نقله عنه ابن رجب في شرح "العلل" [٢/ ٧١٢]، بل جزم الإمام أحمد بكونه قد أخطأ في هذا الحديث على أبى إسحاق، كما حكاه الأثرم عنه؛ ونقله الخطيب في "تاريخه" [٣/ ٣٧٢ - ٣٧٣]، وعلى هذا يُفَسَّر مراد الإمام أحمد بقوله عن هذا الحديث في علل الخلال [ص ٥٧/ رقم ١١/ منتخبه لابن قدامة]: "هذا حديث منكر" يعنى غير معروف من حديث أبى إسحاق، وأخطأ عليه الأعمش في سنده، كما مضى الإشارة إليه آنفًا. والمراد بالنكارة: عدم كونه محفوظًا من هذا الوجه بتلك السياقة، وإلا فالحديث ثابت من طرق أخرى عن جماعة من الصحابة به .. لكن دون السؤال والإجابة في آخره، كما يأتى بيان ذلك؛ ولو سلم هذا الطريق من خطأ الأعمش - وهو لا يسلم - فلن يسلم من العلة الآتية. فإن قيل: قد توبع الأعمش عليه، تابعه أبو الأحوص سلام بن سليم على مثله عن أبى إسحاق به ... ، كما ذكره الأثرم، وعنه الخطيب في "تاريخه" [٣/ ٢٧٢ - ٢٧٣]،. قلنا: قد تعجَّب من تلك المتابعة: الإمام أحمد، بل وأنكرها على أبى الأحوص، وأشار إلى أن الحديث معروف من رواية الأعمش عن أبى إسحاق، فراجع كلامه في تاريخ مدينة السلام [٣/ ٣٧٢ - ٣٧٣]، لأبى بكر بن ثابت الحافظ. والعلة الثالثة: هي أن أبا إسحاق كان إمامًا في التدليس، ولم يذكر فيه سماعًا، ثم هو قد اختلط بآخرة أيضًا، فالحديث منكر من هذا الوجه كما قاله الإمام أحمد؛ لكن في الباب عن جماعة من الصحابة مثله دون قوله في آخره: (قال: قيل: وما الغرباء؟! قال: النزاع من القبائل) =