قلتُ: وهو كما قال البوصيرى، والطرائفى شيخ مختلف فيه: والتحقيق أنه قوى الحديث، ما نقموا عليه سوى كثرة الرواية عن الضعفاء والمجاهيل، حتى حمل عليه بعضهم لأجلها، فجازف اين نمير واتهمه بالكذب، وغالى الأزدى فقال: "متروك"، ثم تقعقع ابن حبان - كما يقول الذهبى - على عادته، وذكره في "المجروحين" [٢/ ٩٧]، قائلًا: "يروى عن أقوام ضعاف أشياء يدلسها عن الثقات، حتى إذا سمعها المستمع لم يشك في وضعها، فلما كثر ذلك في أخباره؛ ألزقت به تلك الموضوعات، وحمل الناس عليه في الجرح؛ فلا يجوز عندى الاحتجاج بروايته كلها على حال من الأحوال؛ لما غلب عليها من المناكير عن المشاهير، والموضوعات عن الثقات". قلتُ: وهذا كله من تهويلات ابن حبان في شأن الرجل، ولم يستطع أن يسوق له حديثًا واحدًا يدلِّل على ما هوَّل به في حقه، وقد تعقبه الحافظ الذهبى في "الميزان" [٣/ ٣٦]، فقال: "قلت: لم يرو ابن حبان في ترجمته شيئًا، ولو كان عنده له شئ موضوع لأسرع بإحضاره، وما علمت أن أحدًا قال في عثمان بن عبد الرحمن هذا: إنه يدلس عن الهلكى، إنما قالوا: يأتى عنهم بمناكير، والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع، وكذا أسرف فيه محمد بن عبد الله بن نمير، فقال: كذاب". قلتُ: وقد أخطأ جماعة من المتأخرين، واتكأوا على كلام ابن حبان الماضى بشأن تدليس الرجل، وجعلوا يعلون له كل حديث لم يذكر فيه سماعه، ولم يفعلوا شيئًا، وقد أحسن ابن عدى في شرح حال الرجل، فقال في "الكامل" [٥/ ١٧٤]: "وصورة عثمان بن عبد الرحمن: أنه لا بأس به كما قال أبو عروبة - يعنى: الحرانى الحافظ - إلا أنه يحدث عن قوم مجهولين بعجائب، وتلك العجائب من جهة المجهولين، وهو في أهل الجزيرة كبقية - يعنى: ابن الوليد - في أهل الشام". قلت: وهذا كلام عارف فاهم مطَّلع منصف، وقد وثقه ابن معين وابن شاهين، ومشاه جماعة. وأم عبد الله بنت نابل: اسمها عبيدة، وهى امرأة حجازية لا بأس بها، روى عنها جماعة فوق الأربعة، ووثقها ابن حبان، ولا يُعرف لها حديث منكر. فهى في رتبة "الصدوق" إن شاء الله، وليس كما قال الحافظ عنها بالتقريب: "مقولة".=