ثم الحجة الدامغة، وهو أن المزى قد رمز برمز (س) بعد أن ذكر ويريد بها: أن رواية يونس عن أنس بن عياض قد أخرجها النسائي في "سننه" فكيف ذهل الإمام عن كل هذا، مع كونه على علم بكون (أنيس بن عمران) لم يرو له أحد من أصحاب الكتب الستة، بل ولا التسعة، وقد انتبه حسين الأسد في تعليقه إلى كون (أنس بن عياض) قد تحرفت عند الطحاوى إلى (أنيس بن عمران) ومثله المعلِّق على صحيح ابن حبان [١٣/ ٢٤٩]، وأجاد الأخير في إيضاح ذلك فقال بعد نقل سنده عن الطحاوى: "وقد تحرف (أنس) إلى (أنيس) ". أما الإمام الألبانى فلم يُعجبه هذا أصلًا، وطفق ينكتُ على الرجلين - لاسيما الأخير - بكونهما قد راج عليهما التصحيف الواقع في سند الطحاوى. وعلى كل حال: فالإمام الألبانى مجتهد مأجور أبدًا سواء أخطأ أم أصاب لكن أوهامه في الرواة والنقلة ليست بالقليلة في كتبه، وقد جرَّد الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف مصنفًا حافلًا في تتبع أوهام الإمام في الرواة وسمَّاه "مختصر: فضل ذى الجلال بتقييد ما فات العلامة الألبانى من الرجال" قال عنه في حاشية كتابه: أحاديث ومرويات في الميزان" [ص ٥٢]: "إذا لا يختص - يعنى: الكتاب الماضى - فقط بالذين لم يقف عليهم؛ بل فيه أيضًا - الذين لم يقف فيهم على جرح أو تعديل وليسوا كذلك، والذين يُخالف في تعيينهم، وسيترواح الجزء الأول - بإذن الله - بين مائتى ترجمة وثلاثمائة وخمسين". قلتُ: وما أظنه طبع بعد، ولا ينقص هذا التأليف ولا غيره من مقدار الإمام الألبانى أصلًا، بل هو البحر الطامى، والغيث الهامى، والسيل الجرار، والعلم الذي في رأسه نار، ما خدم الإسلام أحد - في هذا الزمان - أكثر مما خدمه هذا الإمام، ولا نُغالى، ومن عنده همة الألبانى وكفاحه وجهاده في ميادين الأخذ الرد! ولم نر أحدًا أشد اتباعًا لنصوص الكتاب والسنة مع الاجتهاد المطلق وترك التعصب والتقليد من هذا الرجل، اللَّهم إلا أن يكون شيخ القطر اليمانى المجتهد الفحل: مقبل بن هادى الوادعى. والمزيد من شرح حال هذين الرجلين: تجده في كتابنا الكبير"أنهار الدم بما قيل في ابن حزم وابن تيمية من مدح وذم" وهو كتاب روحى. والله المستعان.