قلتُ: ثم ردَّ الحافظ استنكار البزار وغيره لمتن الحديث. وأنا أعرفك شيئًا: وهو أن الحافظ الناقد إذا وقف على حديث متنه منكر مع كون سنده ظاهره الصحة، تطلَّب له ما يصح إعلاله به من إرسال غامض، أو تدليس خفى، أو غير ذلك من العلل المعروفة، فإن عجز عن ذلك لكون إسناده ليس فيه مغمز، اندفع إلى أنه قد أدخل على بعض رجاله من الثقات، وهذا الخطب يقع فيه جماعات من النقاد المتقدمين وبعض المتأخرين. ويكون الحامل لهم على ذلك: هو غرابة المتن ونكارته، ومصادمته لأصول ثابتة، لكن كثيرًا من تلك الغرابة وهذه النكارة تكون مدفوعة بقصور هذا الناقد في الجمع بين الأخبار، ودرء التعارض عنها، وليس بقليل بين الحفاظ مَنْ يُعلُّ بالنكارة والشذوذ متونًا عديدة يُقرُّ هو بثبوت أسانيدها. لكن قلة معرفته بمدلولات الألفاظ وضعْف آلته الفقيهة، وعدم تمكنه من أصول الأحكام، يدفعه كل ذلك إلى الإعلال بما ذكرته آنفًا، وقد جمعتُ مؤلفًا حافلًا في هاتيك الأحاديث والألفاظ التى زعم البعض شذوذها أو نكارتها وهى عند النظر عارية من كل هذا، وقد وقفتُ على إعلالات في متون صحيحة الأسانيد من قبل بعض الحفاظ: هي في غاية الطرافة والسذاجة. إذا عرفت هذا: فاعلم أن هذا الحديث صحيح ثابت كالشمس، لا شك فيه ولا لبْس، أما من حيث المتن فقد شرحه الحافظ في "الفتح" [٨/ ٤٦٢]، وأجاد في ذلك. وأما من حيث الإسناد: فهو لا غبار عليه أيضًا. وقد صححه الحافظ في "الإصابة" [٣/ ٤٤١]، وسبقه الحاكم وابن حبان وغيرهما. ومضى كلام الحافظ على إعلال البزار له. وقد سبق أن أبا داود ذكر في "سننه" [١/ ٧٤٦]، أن حماد بن سلمة قد رواه عن حميد أو ثابت عن أبى المتوكل به ... =