تمسك الحنفية بظاهر حديث عائشة هذا وقالوا: إن المسافر لا يجوز له إتمام الصلاة، وهو قول الثوري وحماد بن أبي سليمان وعمر بن عبد العزيز، وروي عن ابن عباس.
وذهب الجمهور إلى أن القصر للمسافر رخصة والإتمام جائز له، واستدلوا بظاهر الآية الكريمة:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}، ونفي الجناح لا يدل على الوجوب، والتعبير بـ (تقصروا) يدل على أن الأصل المقصور أطول، وبما سيأتي في حديث يعلى بن منبه عن عمر: صدقة تصدق الله بها عليكم .. إلخ، وبما ثبت عن عائشة من أنها كانت تتم الصلاة، وعن أنس أن الصحابة كانوا يسافرون فيقصر بعضهم ويتم البعض، ويصوم البعض ويفطر البعض ولا يعيب أحد منهم على أحد، وبإتفاق جمهور الفقهاء على أن المسافر إذا اقتدى بالمقيم أتم الصلاة. وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله في الكلام على قصر الصلاة. ومنهم من قال: المسافر مخير بين الإتمام والقصر.
٤٥٢ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَعْلَبَكِّيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو يَعْنِي الأَوْزَاعِيَّ أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَرَضَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوَّلَ مَا فَرَضَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أُتِمَّتْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الأُولَى.
• [رواته: ٦]
١ - محمَّد بن هاشم بن سعيد القرشي أبو عبد الله البعلبكي، روى عن أمية والوليد بن مسلم وبقية ومحمد بن شعيب بن سابور وغيرهم، وعنه النسائي وابنه أحمد بن محمَّد وابن بنته أبو جعفر أحمد بن هاشم الحميري المعروف ببندار والحسن بن علي المعمري وأبو حاتم الرازي وابن بجير وإبراهيم بن متويه ومحمد بن عبد الله بن عبد السلام وآخرون. قال النسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يغرب، مات ببعلبك سنة ٢٥٤، وكان مولده في ربيع سنة ١٦٧، وقال مسلمة بن قاسم: صدوق مشهور.