بعدها، فكذلك هيئة صاحب المحافظة على الصلوات الخمس، فهو تشبيه هيئة بهيئة. والدرن هو الذنوب هنا لأنها بمثابة الوسخ الحسي، فالعرب تمثل الأخلاق بالمحسوسات، فإذا كان الشخص متصفًا بالأخلاق الحسنة قالوا فيه: نقي البدن أو الثياب، وبالعكس إذا كان دنيًا قالوا فيه: دنس الأخلاق، فكذلك حاله مع الذنوب كما قال الراجز:
اللهم إن عامر بن فهم ... أو ذم حجا في ثياب دسم. اهـ.
وقد تقدم الكلام على هذا في الطهارة، فقوله:(فكذلك مثل الصلوات الخمس) أي يحصل لصاحبها من النظافة من الذنوب؛ ما يحصل لهذا المغتسل من نهر جار عند بابه كل يوم خمس مرات، من النظافة من الوسخ الظاهر على البدن، وظاهر هذا شمول الصغائر والكبائر. وقد تقدم في الطهارة أن مثل هذا مقيد بقوله في الحديث الآخر في الصلوات:(مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، وهذه الرواية ليس فيها أنهم ردوا عليه، وفي البخاري:(قالوا: لا يبقى من درنه شيء). والفاء في قوله:(فكذلك) بمعنى مثل أي: فمثل ذلك، وفائدة التمثيل التأكيد وجعل المعقول كالمحسوس. قال ابن العربي:(وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه ويطهره الماء الكثير، فكذا الصلوات تطهر العبد من أقذار الذنوب حتى لا تبقي له ذنبًا إلا أسقطته) اهـ. قال ابن بطال:(يؤخذ من الحديث أن المراد الصغائر خاصة؛ لأنه شبه الخطايا بالدرن، والدرن صغير بالنسبة لما هو أكبر منه من الجروح والخراجات) اهـ. قال ابن حجر -رحمه الله-: (وهو مبني على أن المراد بالدرن الحب، والظاهر إن المراد به الوسخ لأنه هو الذي يناسب الإغتسال والتنظف، وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري التصريح بذلك، وهو ما أخرجه البزار والطبراني بإسناد لا بأس به من طريق عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري يحدث أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: أرأيت لو أن رجلًا كان له معتمل وبين منزله ومعتمله خمسة أنهار، فإذا انطلق إلى معتمله عمل ما شاء الله فأصابه وسخ أو عرق، فكلما مرّ بنهر اغتسل منه، الحديث). اهـ. قال القرطبي: (ظاهر الحديث أن الصلوات الخمس تستقل بتكفير جميع الذنوب، لكنه مقيد كما قدمنا بحديث أبي هريرة في مسلم: (الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما