وَجْهِكَ} الآية، فقلت: تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنكون أول من صلى، فتوارينا فصليناهما ثم نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلى للناس الظهر يومئذٍ. قال ابن كثير -رحمه الله-: (وكذا روى ابن مردويه عن ابن عمر أن أول صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة صلاة العصر، ثم ذكر حديث تويلة من رواية ابن مردويه بإسناد وفيه:"فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء"، وفي آخره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"أولئك رجال يؤمنون بالغيب") اهـ، فتحصّل من هذا أن المشهور نزول الآية في مسجد بني سلمة، ومن حيث النقل -وهو الذي يظهر لي- نزولها بمسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأن الصحيح أن أول صلاة صلاها إما مطلقًا أو في مسجده بعد التحويل: صلاة العصر، وعلى أن الآية نزلت في مسجد بني سلمة، فيكون صلى بعض صلاة الظهر إلى الشام وبعضها إلى مكة. أما الإختلاف في القوم الذين أُخْبروا فهو سهل، لأنّ حمل الرواية في ذلك عن البراء على أن المراد غير أهل قباء: إما بنو سلمة أو بنو حارثة كما في حديث تويلة أو بني عبد الأشهل والظاهر أن الكل حصل غير أن الخبر إلى بني حارثة، وبني عبد الأشهل وصل في صلاة العصر، وأما أهل القباء فلا خلاف أنه وصلهم في صلاة الصبح، لصحة الحديث في ذلك على وجه لا يعتبر خلافه، لضعفه ومعارضته للحديث الصحيح في حديث ابن عمر الآتي ٤٩٠، فإنه صريح في ذلك.
ومن فوائد الحديث: ثبوت النسخ كما تقدم، ومبادرة الصحابة إلى الإمتثال، ووجوب العمل بخبر الواحد إذا كان عدلًا ثقة، وصحة ما عمل بعد النسخ وقبل بلوغه، وينبني عليه صحة حكم القاضي بعد العزل وقبل وصول الخبر به وموت من ولّاه قبل العلم به، وهكذا الحال في الوكيل والوصي والأمير؛ كل هؤلاء دل الحديث على صحة تصرفاتهم قبل العلم بالعزل والموت الموجب لبطلان ولايتهم. واستدل به على جواز الحركة الكثيرة لإصلاح الصلاة، وتنوعت أجوبة أئمة الشافعية عنه بما لا يخلو من تكلف، مع أن القول بأن ثلاث حركات متتابعات تبطل الصلاة ليس له نص من الشارع ولا دليل صريح، بل الصواب أن كل ما كان لإصلاح الصلاة ونحوه لا يفسدها ما لم يكثر جدًا والله أعلم.