للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذهن عند ذكر العصر، كقوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}. وقوله: (بين قرني الشيطان) تقدم الكلام على (بين) في حديث الإسراء، وقرني: تثنية قرن. واختلفوا في المراد بهما، فقيل: له قرنان حقيقة، فإذا شرعت الشمس في الطلوع جاء فجعل قرنيه تحتها حتى تكون بينهما، فإذا سجد لها الكفار صارت صور السجود له، وهذا المعنى قد جاء مرفوعًا وأنه يفارقها إذا ارتفعت، فإذا توسطت في السماء قارنها أيضًا، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها، فلذلك نهي عن الصلاة في هذه الأوقات. وهذا لا يمنعه عقل ولا شرع، وهو ظاهر النصوص الصريحة فيه بل لا ينبغي العدول عنه، وجوّز الأكثرون أن يكون على سبيل المجاز، وقرناه: ارتفاعه أو قوته ووسوسته وأنه يطيق الوسوسة. وتشبث صاحب هذا القول بأن المطيق يسمى مقرنًا، واستدل بقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أي: مطيقين. ولا يخفاك أن صحة هذا الإطلاق يلزم منها أنه المراد هنا، كما قال بعضهم: إن القرون تستعمل لمعالجة الأشياء، فشبهت وسوسته وتزيينه بها لأن ذلك آلته التي يضلل بها الناس. وهذا كسابقه لا ملجئ إليه، والصواب حمل كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ظاهره، إذ لا مانع كما تقدم من ذلك لا شرعًا ولا عقلًا. وقوله: (قام فنقر) يعني هذا المنافق والعامل بمثل عمله، و (نقر) النقر: أصله الضرب الخفيف، وهو هنا كناية عن سرعة الحركة وعدم الطمأنينة في الصلاة، وقوله: (لا يذكر الله فيها) أي في الأربع التي ينقرها (إلا قليلًا) ذكرًا قليلًا.

• الأحكام والفوائد

والحديث فيه دليل على ما تقدم من وجوب المحافظة على الصلاة وخاصة العصر، وأن وقتها عند أول القامة لأنه كما تقدم أول وقتها عند جماهير أهل السنة، وأن تأخيرها إلى الإصفرار من فعل المنافقين وصفاتهم، وهذا ناهيك به في التنفير لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وفيه دليل على وجوب الطمأنينة في الصلاة والمحافظة على الأذكار الواردة، لأن ذلك هو فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وسيأتي لذلك مزيد بيان إن شاء الله، وإنما شرعت الصلاة لذكر الله فيها، وهي الوصلة بين العبد وبين الله فتجب المحافظة عليها. وقد تقدم أن فعل أنس هذا دليل

<<  <  ج: ص:  >  >>