دون جمع التقديم، فلذلك تمسك به من فرَّق بين جمع التقديم وجمع التأخير. وقد ورد في جمع التقديم أحاديث أكثرها معلولة وبعضها صحيح، وإن أعلّ بعلة لا تقدح فيه فإن جميع الأحاديث الواردة فيه يقوي بعضها بعضًا، وفيها ما هو موقوف على ابن عباس وسنده جيد، ومنها: ما هو متفق على صحته ولكن ليس فيه التصريح بجمع التقديم، بل هو مجمل كحديث معاذ في غزوة تبوك، وقد قال النووي -رحمه الله-: (هو من الأمور المشهورة المستعملة فيما بين الصحابة والتابعين)، ونقل ابن حجر عن إمام الحرمين أنه قال:(ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق التأويل إليها) اهـ. ومن الأحاديث المصرحة به ما أخرجه الإسماعيلي ورواه البيهقي بإسناد صحيح من حديث أنس بن مالك من رواية جعفر الفرياني عن إسحاق بن راهويه عن شبابة عن أنس بن مالك، فذكر الحديث وفيه: إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر، الحديث فزاد: العصر، وقد ذكر ابن حجر: أنه أعل بتفرد إسحاق وعنه الفريابي. قال: ولا يقدح فيه، فهما إمامان حافظان جليلان فليس تفردهما بقادح.
ثم ذكر أن مثل ذلك في الأربعين للحاكم: حدثنا يعقوب هو الأصم حدثنا محمَّد بن إسحاق الصنعاني هو أحد شيوخ مسلم حدثنا محمَّد بن عبد الله الواسطي، فذكر الحديث وفيه فإن زالت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب. قال الحافظ سلام الدين العلائي:(هكذا وجدته بعد التتبع في نسخ كثيرة من الأربعين بزيادة: العصر، ومسنده في هذه الزيادة جيد) اهـ قال ابن حجر -رحمه الله تعالى-: وهي متابعة قوية لرواية إسحاق بن إبراهيم إن كانت ثابتة، لكن في ثبوتها نظر لأن البيهقي أخرج هذا الحديث عن الحاكم بهذا الإسناد، مقرونًا برواية أبي داود عن قتيبة وقال: إن لفظهما سواء، إلا أن في رواية قتيبة: كان رسول الله، وفي رواية حسان: إن رسول الله. قلت: وهذا لا يبطل الحديث كما لا يخفى، فإن كون إحدى الروايتين بلفظ (إن) والأخرى بلفظ (كان) لا يكفي لرد الحديث، فهو على كل حال يعتبر متابعة لرواية إسحاق، وكذلك رواية قتيبة ليس الرد فيها بظاهر، فإن قول البخاري فيها: لعل بعض الضعفاء أدخلها على قتيبة مع جلالة قتيبة وحفظه؛ لا ينبغي أن ترد به