القول به لأحمد والقاضي حسين من أصحاب الشافعية، واختاره الخطابي والروياني والمتولي قلت: وهو لا يقل عما قبله في البعد، بل تعليل ابن عباس إنما يناسبه الجمع الصوري أكثر من غيره من هذه التأويلات كلها, ولو كان لعذر المرض لكان خاصًا بمن هو مريض، وفي بعض الروايات التصريح بصلاة الناس معه. ثم ذكر أن جماعة من الأئمة جوّزوا الجمع بين الصلاتين في الحضر للحاجة لمن لا يتخذ ذلك عادة، ونسب القول بذلك إلى ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر. قال: ويؤيده قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته. اهـ. وسيأتي للمصنف عن ابن عباس أنه أخر الصلاة الأولى وقدّم الثانية، وفي الصحيحين أن عمرو بن دينار سأل أبا الشعثاء فقال: أظنه أخّر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء فقال: وأنا أظنه. ورجّح القرطبي وإمام الحرمين وابن الماجشون أن الجمع هنا جمع صوري.
تنبيه: ظاهر رواية: من غير خوف ولا مطر، وتفسير مالك لهذا الحديث بعلة المطر؛ يدل على الجمع لأجل المطر، وبه قال جماعة من السلف منهم: الشافعي وأبو ثور في الظهر والعصر إن استمر المطر وكان قائمًا وقت الدخول في الصلاة، وكذا المغرب والعشاء يجمع في الكل جمع تقديم، وبه قال مالك وأحمد لكن خصّوه بالمغرب والعشاء، وعلل مالك ذلك بأن الظهر والعصر جرت العادة أن المطر فيهما لا يمنع الناس من حوائجهم، فينبغي أن لا يمنعهم من صلاتهم. واستدل ابن قدامة عليه بما رواه الأثرم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء، وقال هشام بن عروة: رأيت أبان بن عثمان يجمع بين الصلاتين في الليلة المطيرة: المغرب والعشاء، فيصليها معه عروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن، لا ينكرونه ولا يعرف لهم في عصرهم مخالف فكان إجماعًا. اهـ. وقد روي عن عمر بن عبد العزيز، وجوّز مالك الجمع بينهما للطين والظلمة أيضًا.