للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(بل قرنًا) أي اتخذوا قرنًا مثل قرن اليهود، وهو الذي يسمى بالشبور، فكرهه - صلى الله عليه وسلم - للعلة المذكورة، (فقال عمر: أَوَ لَا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة) الهمزة للاستفهام، والواو للعطف على محذوف مقدر كما هو المعروف في نظائره، فالهمزة إنكار للجملة الأولى -أي المقدرة، أي: أتفعلون شيئًا من ذلك ولا تبعثون إلخ، فالإنكار للجملة الأولى والثانية مثبتة. وقوله: (ينادي) هذا اللفظ محتمل لمعنيين هنا، أن يكون المعنى: ينادي بالصلاة بلفظ غير لفظ الأذان، ويحتمل أن يكون المراد: ينادي بالأذان، فيحتاج حينئذ إلى تقدير أنهم بعدما رأى عبد الله رؤياه قال عمر هذه المقالة، ويكون المراد أنه لما سمع رؤيا عبد الله قال ذلك، وضعفه ابن حجر للأحاديث الدالة على أن عمر لم يكن حاضرًا حين جاء عبد الله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بالرؤيا، لأن في بعضها: أن عمر لما سمع أذان بلال جاء وأخبر أنه قد رأى مثل ذلك، فلهذا يترجح الوجه الأول وهو أن المراد: النداء للصلاة بلفظ غير الأذان المعروف، والنداء يحصل بكل شيء يفيد السامع المراد. قال ذو الرمة:

لا يرفع الرأس إلا ما تخونه ... داع يناديه باسم الماء مبغوم

يعني: أن ولد الظبية تناديه بصوتها الذي هو: ماء، كاسم الماء المعروف: وقوله: (يا بلال قم فناد) أي استجابة لرأي عمر في ذلك، على أن المراد بالنداء غير الأذان. قال ابن حجر: وفي رواية الإسماعيلي: فأذن. قال عياض: المراد الإعلام المحض بحضور وقتها لا خصوص الأذان المشروع، وأغرب القاضي أبو بكر بن العربي فحمل قوله: (أذن) على الأذان المشروع، وطعن في صحة حديث ابن عمر وقال: (عجبًا لأبي عيسى كيف صححه، والمعروف أن شرع الأذان إنما كان برؤيا عبد الله بن زيد) اهـ. قال: ولا تدفع الأحاديث الصحيحة مثل هذا مع إمكان الجمع كما قدمناه، أي يحمل النداء على غير الأذان، وقد قال ابن منده في حديث ابن عمر: إنه مجمع على صحته. وقوله: (قم) فيه حجة لشرع الأذان قائمًا، أي إن السنة وردت بأن المؤذن يكون قائما ولا يؤذن الجالس، وكذا احتج به ابن خزيمة وابن المنذر، وتعقبه النووي بأن المراد: اذهب إلى مكان بارز فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس، وليس فيه تعرض للقيام في حال الأذان. قلت: هذا إن كان محتملا فظاهر الصيغة يؤيد الأول، لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>