الأولى من الهجرة على الصحيح، حينما كثر المسلمون بالمدينة وصار بعضهم تفوته الصلاة، فشاور النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه فيما يُعْلِمُ به للصلاة ويجعله شعارًا لها عند دخول الوقت. وقوله:(يجتمعون) عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أو في المسجد، وقوله:(يتحينون) أي ينتظرون الحين الذي تصلى فيه الصلاة وهو وقتها، أي يجتمعون لانتظار حين الصلاة، وحين الشيء: وقته ومدته، وحان حينه: جاء وقته وأجله، ومنه: تحين الناقة: إذا جعل لِحَلْبِها وقتًا معينًا. قالت بثينة لما نعي إليها جميل:
وإن سلوى عنك يا جميل لساعة ... من الدهر لا حانت ولا حان حينها
وأصل الحين: ظرف من الزمن صادق بالقليل والكثير. وقوله:(وليس ينادي بها أحد) هذه جملة حالية، أي: والحال أن الصلاة لا ينادي بها أحد، لأن الأذان لم يشرع إذ ذاك كما قدمنا، فالجملة دليل على صحة ما تقدم من كونه لم يشرع قبل ذلك، ولم يكن هناك شعار غيره ينادى به للصلاة. وقوله:(فتكلموا) أي تشاوروا في بعض الأيام في أمر يتفقون عليه للإعلام بدخول الوقت، وهو المراد بقوله:(في ذلك) أي الشيء الذي يخصصونه للإعلام به، (فقال بعضهم) الفاء تحتمل العطف والاستئناف، وقوله:(اتخذوا) مقول القول و (ناقوسًا) منصوب على أنه مفعول به لـ (اتخذوا)، وقوله:(مثل ناقوس)(مثل) صفة لناقوس، وهو فاعول من النقس: وهو القرع، وهو آلة يستعملها النصارى: خشبة طويلة يضربون عليها بالوبيلة القصيرة، ويجعلون ذلك شعارًا لصلاتهم، والجمع: نواقيس. قال جرير:
لما تذكرت بالديرين أرقني ... صوت الدجاج وضرب بالنواقيس
وقال:
صبحن توماء والناقوس يضربه ... قس النصارى حراجيجًا بنا تجف
وذكر صاحب التاج أنه يجمع على نقس -بضمتين- على توهم حذف الألف، وبه فسر قول الأسود بن يعفر:
وقد سبأت لفتيان ذوي كرم ... قبل الصباح ولما تقرع النقس
قلت: وهذا يدل على أنه عربي له اشتقاق، وقد ذكر بعضهم أنه معرب وليس بعربي. اهـ فكرهه حبًا لمخالفتهم، (وقال بعضهم) أي بعض الصحابة