للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ذكره للآيتين يشير به إلى أنه شرع بالمدينة لأنهما مدنيتان وليس للأذان ذكر في القرآن إلا في هاتين الآيتين، وقد جزم القرطبي في تفسيره بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع الأذان ليلة الإسراء. أما حكمه: فهو عند مالك وجماعة من أصحابه فرض كفاية في مساجد الجماعات، وعند الشافعي وأكثر أصحابه وأبي حنيفة وقول عن أحمد وعليه أكثر أصحابه أنه سنة مؤكدة، وعند داود الظاهري والأوزاعي ومجاهد أنه واجب، وعند بعض أصحاب الشافعي أنه فرض كفاية، وعند جماعة منهم أنه فرض كفاية في الجمعة دون غيرها، والأكثرون منهم على ما تقدم ذكره من أنه سنة، وذكر ابن عبد البر أن بعض أصحاب مالك قال بأنه سنة مؤكدة واجبة على الكفاية. قال ابن العربي -رحمه الله-: (الأذان من شعائر الدين، يحقن الدماء ويسكن الدهماء، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع أذانًا أمسك وإلا أغار، فهو واجب على البلد والحي، وليس بواجب في كل مسجد ولا على كل فذّ، ولكنه يستحب في مساجد الجماعات أكثر مما يستحب في الفذ. وقال عطاء: لا تجوز صلاة بغير أذان، وهذا ليس بصحيح لأنه ليس في فرضيته أثر) اهـ.

قلت: تمسك القائلون بوجوبه: بأمره - صلى الله عليه وسلم - لمالك بن الحويرث وصاحبه، وما شاكله من الأحاديث التي فيها الأمر بالأذان، مع مواظبته -عليه السلام- عليه وكذلك الخلفاء من بعده وهلم جرّا، وكونه كان يحقن به دماء من سمعه منهم. واستدل الباقون بكونه ورد تركه في الثانية من المجموعتين، ولم يذكره - صلى الله عليه وسلم - في حديث المسيء صلاته، ولأن الغرض منه الإعلام بوقت الصلاة فأشبه النداء بـ (الصلاة جامعة). والذي يظهر لي هو القول بكونه فرض كفاية في البلد والمحلة لما فيه من إظهار شعيرة الإِسلام، غير أنه لا تتوقف صحة الصلاة عليه. والله أعلم.

قوله: (كان المسلمون) يعني الصحابة وقوله: (حين قدموا المدينة) أي في وقت قدومهم المدينة، وذلك يحتمل أن المراد قدومهم قبل هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم استمر الحال على ذلك بعد قدومه، ويحتمل أن المراد ما بعد مقدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعبّر بقدومهم لأنهم تبع له - صلى الله عليه وسلم -، وكان قدومه في السنة التي اتفق المسلمون في زمان عمر أن يجعلوها مبدأ التاريخ الإِسلامي، وهي على رأس ٥٣ من عمره الشريف - صلى الله عليه وسلم - على الصحيح، وكان مبدأ الأذان في السنة

<<  <  ج: ص:  >  >>