وقوله:(إذا دخل) تقدم الكلام على إذا في أول شرح الآية، وأنها ظرف مضمن معنى الشرط غير أنه لا يجزم إلا في ضرورة الشعر كما تقدم، وهو مقصور على السماع، وتقدم أيضًا أن التعبير بالماضي في مثل هذا يأتي كثيرًا بمعنى القصد والإرادة، أي: إذا أراد أحدكم دخول الخلاء، كما قدمنا في قوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} ومثله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}. فالذكر المطلوب يكون قبل الدخول، والغالب على مكان قضاء الحاجة الاستقذار، وسيأتي أن الأكثرين على كراهة ذكر الله في المكان القذر، وجوّز بعضهم أن يكون بعد الدخول إذا كان المكان طاهرًا، وغير الطاهر يكون الذكر فيه بالقلب، ونظير هذا: الحديث الذي سيأتي إن شاء الله "لو أن أحدكم إذا أتى أهله" الحديث أي أراد أن يأتي أهله. وقد صرح البخاري به في الصحيح تعليقًا، ووصله في الأدب المفرد من رواية سعيد بن زيد الجهضمي أخي حماد بن زيد فقال: حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال: حدثنا أنس بن مالك قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يدخل الخلاء".
فبيّنت هذه الرواية المراد بقوله: إذا دخل أحدكم الخلاء، والتعبير بقوله (دخل) قد يدل على أن المراد المكان المعد لذلك، وهو المتفق على هذا التأويل فيه عند أكثر أهل العلم، وأما غير المعد فقد اختلفوا فيه: فمنهم من قال: يقول ذلك عند إرادة نزع الثوب، ومنهم من قال: عند الدخول في نفس المكان الذي يقصده لذلك، أي: الوصول إلى محله، ورواية "إذا أتى" أعم لشمولها المعد وغيره، وخلوها من القرينة السابقة وهي لفظ الدخول.
• الأحكام والفوائد
الحديث دليل على استحباب هذا الذكر في هذه الحالة ويزيد: بسم الله، كما تقدم في رواية العمري من طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب:(إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله)، وذكر الحافظ أنه على شرط مسلم. وفيه حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على تعليم الأمة، واستحباب البداءة بالبسملة في كل شيء، كما سيأتي ذلك في مواضع من الكتاب إن شاء الله. وصيغة الأمر تقتضي الوجوب، ولعل القرينة الصارفة عنه ذكر العلة كما في الرواية الأخرى:(إن هذه الحشوش محتضرة) أي يحضرها الشياطين، وعلى حمله على السنة