عليه جواز دخولها. وهذه الرواية تدل على أن هذا القول حصل من أبي أيوب بمصر، والحديث الآتي وهو في الصحيحين وغيرهما من رواية الزهري عن عطاء وفيه:(فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قِبَل القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله) وأخرجه الدارمي من هذه الطريق وفيه (عند القبلة)، وهو في الترمذي لكن بلفظ:(مستقبل القبلة)، وقيل معناه جهة كذا، والقبلة: الكعبة، سميت بذلك لإقبال الناس بوجوههم إليها في الصلاة، وقبلة كل شيء: ما يستقبله أو يكون من جهة القبلة.
وقوله:(فقدمنا الشام) يدل على أن هذا القول صدر منه بالشام، وهذه الرواية فيها التصريح بأن ذلك كان بمصر، وقد يقال: بأن هذا لا تعارض فيه بل يكون قال ذلك بمصر وقاله أيضًا بالشام، لاسيما ومخرج الحديثين مختلف لأن سند المصنف في حديث الباب غير سند الأكثرين, لأنه عندهم من رواية الزهري عن عطاء وهذا من رواية إسحاق بن عبد الله عن رافع بن إسحاق والله أعلم.
وقوله:(وقد قال) إلخ. جملة حالية أيضًا، والحال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال، وقوله:(إذا)، تقدم الكلام عليها و (ذهب أحدكم) أي أحد المكلفين، والمراد بالذهاب: قصد ذلك الفعل ولو لم يصحبه ذهاب، لأنه قد يفعله من غير ذهاب، ولأن الاستقبال والاستدبار لا ينهى عنهما في حال الذهاب وإنما ينهى عنهما وقت الفعل، فذكر الذهاب خرج مخرج الغالب. وقوله:(إلى الغائط أو البول) أي: أو هما معًا من باب أولى، وهذه الرواية يتمسك بها من فرّق بين البنيان والصحراء -كما سيأتي إن شاء الله- لأن ظاهر الذهاب المتبادر منه الخروج إلى الفضاء كما هي عادتهم في ذلك الوقت، إلا إن حملناه كما تقدم على أنه خرج مخرج الغالب. وقوله:(لا يستقبل القبلة) لا يوليها وجهه، لأن المقابلة تكون بالوجه كما في قولك أقبل على كذا، والسين والتاء ليستا على أصلهما في الدلالة على الطلب كما في استجاب بمعنى أجاب، وهكذا يقال في (يستدبرها) وأصله من تولية الدبر، لأن من ولى ظهره شيئًا فقد ولاه دبره، وهو ضد الاستقبال. والفاء في قوله:(فلا) واقعة في جواب "إذا" لأنه تقدم أنها مضمنة معنى الشرط وإن كانت لا تجزم، ولا ناهية والفعلان مجزومان بها، والقبلة: الكعبة، وأل فيها للعهد الذهني.