قلت: وقد روى عن علي - رضي الله عنه - القول بالتخيير، وهو ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق عاصم بن ضمرة عن علي - رضي الله عنه - قال:(إذا ركعت، فإن شئت قلت هكذا يعني وضعت يديك على ركبتيك وإن شئت طبقت) قال العيني: إسناده حسن، ونقل عن سيف في الفتوح أن مسروقًا سأل عائشة عن التطبيق فأجابت بما حاصله أن التطبيق من فعل اليهود وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهي عنه من أجل ذلك.
والظاهر أن أدلة النسخ من أطلع عليها لا يبقى عنده شك في ذلك إن أنصف، غير أن الأثر الوارد عن عمر يدل على أن فاعله لا يلزمه الإعادة، وهو ما أخرجه عبد الرزاق عن علقمة والأسود قالا: صلينا مع عبد الله فطبق، ثم لقينا عمر رضي الله تعالى عنه، فصلينا معه: فطبقنا، فقال: ذلك شيء كنا نفعله ثم ترك. فهو دليل على أنه ليس مفسدًا للصلاة فحمل على الكراهة، وفي الترمذي عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: قال لنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إن الركب سنت لكم فخذوا بالركب قال: وفي الباب عن سعد، وأنس، وأبي حميد، وأبي أسيد، وسهل بن سعد، ومحمد بن مسلمة، وأبي مسعود قال أبو عيسى:(حديث عمر حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، ومن بعدهم لا اختلاف بينهم في ذلك إلا ما روى عن ابن مسعود، وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون، والتطبيق منسوخ عند أهل العلم، قال سعد بن أبي وقاص: كنا نفعل ذلك فنهينا عنه وأمرنا أن نضع الأيدي على الركب)، وأما كونه جعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله فهذا أيضًا مما خالفه فيه سائر الفقهاء، قال النووي -رحمه الله-: (هذا مذهب ابن مسعود وصاحبيه، وخالفهما جميع العلماء من الصحابة فمن بعدهم إلى الآن، قالوا: إذا كان مع الإمام رجلان، وقفا وراءه صفًا لحديث جابر وجبار بن صخر، وقد ذكره مسلم في صحيحه في آخر الكتاب في الحديث الطويل عن جابر، قال: وأجمعوا على أنهم إذا كانوا ثلاثة يقفون وراءه وأما الواحد فيقف عن يمين الإِمام عند العلماء كافة، ونقل جماعة الإجماع فيه، ونقل القاضي عياض -رحمه الله تعالى- عن ابن المسيب أنه يقف عن يساره، قال النووي: (ولا أظنه يصح عنه وان صح فلعله لم يبلغه حديث ابن عباس، قال: وكيف كان فَهُمُ اليوم مجمعون على أنه يقف عن يمينه). اهـ.