للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحديث جابر وحديث أبي قتادة عند القائلين بهذا القول، محمولان على أن ذلك كان في البنيان جمعًا بين الأدلة، وإن لم يكن فيهما التصريح بذلك قلت: ويمكن أن يقال فيهما بحمل العموم على الخصوص في حديثي ابن عمر وعائشة، وفي هذا جمع بين الأدلة، وهو عندي أرجح وأولى من رد بعضها أو دعوى النسخ في الأحاديث الصحيحة الكثيرة في النهي. وقد رد المانعون حديث ابن عمر وما في معناه مما تقدم؛ يكون الكل دل على الفعل، وقد تقرر في الأصول أن الفعل منه - صلى الله عليه وسلم - لا يعارض الأمر والنهي الموجه للأمة، وبهذا رجّح الشوكاني وابن العربي المنع كما تقدم. قال الشوكاني: إلا أن يثبت حديث عائشة، وقد قال بعضهم: إن حديث ابن عمر دل على الاستدبار فقط، ويجاب عنه بأن حديث جابر وأبي قتادة وحديث عائشة وفعل ابن عمر الذي كان سبب قوله لمروان؛ كل ذلك دل على الاستقبال. وهذا القول الثالث قول ابن عمر، وهو مروي عن العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله، ونسبه ابن حجر للجمهور، وهو قول الشعبي ومالك والشافعي وأحمد في رواية عنه وإسحاق، ونفسي إليه أميل لما تقدم من كونه أقرب إلى الجمع بين الأدلة، وكون الفعل لا يعارض القول إنما يحتاج إليه عند التعارض وعدم إمكان الجمع، وإلا فالأصل وجوب الاقتداء بالفعل في الجملة كالقول، والله أعلم. قلت: إلا أن ظاهر ما جرى بين ابن عمر ومروان، يدل على أن ابن عمر يرى جواز ذلك في الصحراء، إذا كان بينك وبين القبلة حائل.

وذلك هو القول الثالث والله أعلم، فيحتمل أنه كان يجوّز الأمرين معًا.

القول الرابع: التفرقة بين الاستقبال والاستدبار في البيوت والصحراء، ولا يجوز الاستقبال في واحد منهما، وهو مروي عن أبي حنيفة وأحمد وهو متجه، وربما قيل: وجه هذا القول أن حديث ابن عمر دل على الاستدبار في البيوت، ولا فرق بينها وبين الصحراء، وأما الاستقبال فهو عندهم أقوى في النهي منه، ولا يخفى ضعف هذا بل سقوطه، لأن ابن عمر صرح في الحديث الثاني بما يدل على التسوية بين الاستقبال والاستدبار، والتفرقة بين الفضاء ووجود الساتر.

القول الخامس: حمل النهي على الكراهة، وهو أوجه من الذي قبله لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>