للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القبلة حائل. استدل أهل هذا القول بأن حديث جابر المتقدم صريح في أنه متأخر عن النهي وهو يدل على الجواز، وحديث ابن عمر وإن لم يكن فيه التصريح بكونه متأخرًا لكنه دل على الجواز. ومعارضة ابن عمر واحتجاجه به لمن نهى عن ذلك مطلقًا، كل ذلك يؤيد القول بالجواز لكن دلالته على التخصيص أولى، كما صرح به ابن عمر في حديث مروان بن الأصفر. وحديث أبي قتادة مثله في الدلالة على الجواز لكن ليس فيه تصريح بأنه بعد النهي، وحديث عائشة أصرح من الكل في الدلالة لولا عدم نهوض الاستدلال به عند الأكثرين، لأن فيه ما يدل على أنه متأخر عن النهي، وقد اعترض عليه ابن حزم وشنّع في الإنكار لأن يكون نهاهم عن الاستقبال ثم ينكر عليهم ترك ذلك. وقد يجاب عن هذا لو صح الحديث، بأنه يؤخذ من إنكاره عليهم أنه كان قد نهاهم ودلهم بفعله على نسخ ذلك النهي، فلما عاودوه بعد ذلك أنكر عليهم. وابن لهيعة ليس ممن يرمى بالكذب ولكن ضعفوه من قبل حفظه، ومثل هذا من الضعف الذي ينجبر، وقد تقدم أنَّ النووي حسّن سنده. قلت: وقد يكون النووي رحمه الله تعالى رأى أن بقية الأحاديث المذكورة أيدته في المعنى، فيكون ذلك جبرًا لضعفه ورفعًا له إلى درجة الحسن، فيكون من باب الحسن لغيره.

وهذا القول قال به عروة بن الزبير وربيعة شيخ مالك وداود بن علي الظاهري، ويؤيده قول البخاري في ترجمة الحديث: لا تستقبل القبلة ببول ولا غائط إلا عند البناء، جدارًا أو غيره.

القول الثالث: جواز ذلك في البنيان دون الصحراء، وهذا ينبني على أن حديث ابن عمر مخصص لعموم النهي، وكذلك حديث عائشة على فرض ثبوته، وعلى الحكم بضعفه فإنه لا يقول أحد بوضعه, لأن علته من ابن لهيعة وهو غير متهم بالوضع وإن كان ضعيفًا.

ويتأيد ذلك عندهم بقول ابن عمر في حديث مروان بن الأصفر: إنما نهي عن ذلك في الفضاء, لأن هذا إن حُمل على أنه سمع هذا التخصيص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان دليلًا قويًا على التخصيص وهو أولى من النسخ، وهذا هو المناسب لحال ابن عمر وتحريه للسنة، لكنه مع ذلك يحتمل أن يكون قاله على حسب ما فهمه من فعله السابق ذكره: أنه رآه يبول مستقبل الشام مستدبر الكعبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>